قلتُ لها :
لا تحاولي أن تُفلّي لُغتي ، أو أن تتأملي الرسائل التي تحملُها ؛ فهي مثلُ وطني : صداعٌ وسُعالٌ وجلطاتٌ مُتتالية ، كم هي بحاجةٍ إلى التّبرّعِ بالنفطِ أو بالماءِ أو بالغاز ، كما أنّها تحتاجُ إلى نظاراتٍ طبيّةٍ ؛ فهي كالزّعماءِ العرب تُعاني من الانحرافِ وقصر النّظر .
كم هي تائهةٌ لغتي ، تسيرُ بينَ النّاسِ بلا أوراقٍ ثبوتيّة ، وبلا هاتفٍ محمول ، تسألُ عن الفُقراءِ وعن شياطينِ الإبداعِ ووحوشِ الحروب ، تفتّشُ عن الضّمائر المُنفصلةِ عن واقعها ، تشحذُ عروبتها ، وتدعو طائرَ الفينيق أن يُبعثَ من الدّماءِ أو الرّمال أو الطُّبول .
كم هي غريبةٌ لُغتي عنّي ؛ تزحفُ عكسَ الإتّجاه ، تُفتّشُ عن وطنٍ ضائعٍ في زحمةِ عُرس أو في زحمةِ جنازةٍ صامتة أو مُقيمٍ في فُندقٍ سياحيٍّ بألفِ نجمة .
يا حبيبةُ هذي لُغتي مثلُ مُخبرٍ مخمور ، أو مثلُ راعٍ بلا قطيع ، لا تملكُ إلّا البُكاء على تُراثٍ ضائعٍ أو تاريخٍ مُشوّهٍ بحروقٍ من الدّرجة الأولى .
يا حبيبةُ ما أكثرَ خسائرَ لُغتي وما أقلّ مغانِمها ، فهي كامرأةٍ ترتدي ثوبَ الخوفِ المُطرّزِ بالعارِ وقُبلِ رجلٍ مرّ عليهِ خريفُ العُمرِ مرّتين .
يا حبيبةُ لُغتي تعيشُ تحتَ خطِّ الفقرِ وتحتَ خطِّ النّار ، وتحتَ خطِّ الدّمِ ، وتحتَ خطِّ النَّفطِ ، تُضاجعُ كوابيسَ الجّهلِ ، وغربانَ الليلِ ، وجراذينَ النّفايات .
لغتي كالعائلاتِ النّازحة ، كالبحارِ الموبوءةِ بالمُهاجرين ، محكومةٌ بأقصى العُقوبات ، كلّما مرَّ عليها قارئٌ طارئٌ رماها بعينِ الاحتقار ومشى .
د.عاطف الدرابسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق