السبت، 21 يناير 2017

كلُّ الينابيعِ عطشى !




قلتُ لها : 

تأمّلي هذه الأرض ؛ كيفَ تشربُ الدّمَ ، وكيف تشربُ المطر ، وكيف تبلعُ أجسادنا وأشلاءَنا ، ثُمَّ تُعيدُ إنتاجنا ربيعاً ، وأشجاراً تُسافرُ في الفضاء . 

هذا الرّبيعُ يحملُ جراحَنا وأحزانَنا وأوجاعَنا وفقرنا وفسادَنا وأحلامَنا التي تشتّت على الدّروب : 

الجوعُ في وطني يقتلهُ الجّوع ..
الشّمسُ تُشرقُ في الظّلام .. 
والصّباح تأخّرَ كثيراً .. 
والفراغُ يلدُ الفراغ .. 
والرّيحُ ثورٌ هائجٌ تقتاتُ من جوعِ جوعِنا .. 
كيفَ نعيشُ ؟
ونحنُ ننتظرُ غداً يُقيمُ في الماضي العتيق ..

ينكسرُ النّهار كما ينكسرُ ظهرُ الفرس ، أو كما تنكسرُ خُطى الحروفِ لحظةَ حوارٍ مجنون :
أُبحرُ إلى آخر الأسئلة .. 
إلى أقسى الأسئلة : 

من سرقَ النّومَ من عُيون الحُلم ؟
ومن أوقدَ شجرةَ النّار ؟
وأيقظَ في قلوبنا الجنون ؟

كلُّ الينابيعِ في أرضي عطشى .. 
صوتٌ من القرنِ الهجريِّ الثامنِ ..
يسألني في أوّلِ الحُلم : 

ما لي أراكَ تُقدِّمُ عقلاً وتؤخِرُ عقلاً .. 
هل بقيَ شيءٌ صالحٌ للنّهبِ في وطنكَ ؟
أو هل بقي شيءٌ صالحٌ للفساد بعدَ الآن ؟
ما أقذر الكلمات حينَ تتوسّلُ خليفةَ الخُلفاء ..
حينَ تنحني لأحذية الأمراء .. 

أخرُ صرخةٍ ..
وآخر نداء :
ماتَ الوطن .. 
وعاشَ خليفةُ الخُلفاء .. 

د.ع

الفجرُ النازف !




قلتُ لها : 

يشربنَ نخبَ خافقي دماً .. 
ويطُفْنَ حولَ جسدي الملفوفِ .. 
بأكفانِ الخريفِ العابقِ .. 
بمسكِ النّارِ ..
المُضمّخِ بالحنّاءِ .. 
المُكحّلِ بالأخضرِ كعيونِ عذراء .. 

أيُّها الجسدُ المُسجّى .. على رُبى القرى المنكوبةِ .. 
كملاك
 يرقبُ الفجرَ النّازف .. 
من مدائنِ الموتِ والجّهلِ .. 

حَلِّق في المعالي .. فمأواكَ السّماءُ. 
اخفض جناحيكَ .. أُلجم صهيلَ الأعاصير .. 
واكْبَح رياحَ الوساوسِ التي تمورُ في الصّدور .. 

يا ابنَ النّارِ .. 
هذي بلادي حقولُها مبذورةٌ بالحُمقِ .. 
بالجهلِ .. بالضلال .. 
تطرحُ كلَّ يومٍ قتلى وأراملَ .. 
وأطفالاً يقرؤونَ حروفاً سقتها الدّماء .. 
ويرسمونَ أزمنةً حمراء .. 
ورجالاً على صورةِ غُراب .. 
وعيوناً عمياء .. 
وأكواخَ عذاب .. 
وشمساً سوداء 
تُشرقُ من موانئِ اليأسِ
 ترقبُ أوطاناً صارت أطلالْ .. 

د.ع

أنقاضٌ ورماد !




قلتُ لها : 

أمشي بقدمٍ حافٍ .. 
أمشي بظهرٍ عارٍ .. 
والعيونُ المريضةُ تتبعُني .. 
كالقطيع .. 
يحفرُ الزّمانُ في داخلي الأنفاق .. 
ويبني الحُصون .. 

جسدي مملكةٌ للذئابِ والثّعالبِ والفئران .. 
وأرضيَ الصّماءُ مرتعٌ للكلاب .. 
خاليةٌ إلّا من عويلٍ أو عواء .. 
وبعضُ أصواتٍ تهذي بثوراتٍ .. 
تشوّهُ وجهَ العالم ِوالإنسان .. 

أيُّها الرأسُ الغارقُ بالجّحيمِ والرّمال .. 
أتعبكَ النّداء .. 
أينَ تمضي ؟ 
وراءَ نداءِ المالِ أم وراءَ نداء الله ؟
هذهِ الأرضُ تبتلعُكَ كأفعى .. 
كصحراءٍ .. 
كرمالٍ .. 
تتلوّى من ألمِ الرّياح .. 

أيُّها الوطنُ المشطورُ نصفين .. 
أنقاضٍ .. ورماد .. 
أسمعُ نحيبَ البلابلِ والعصافير .. 
وأصواتاً تتوسّلُ إلى الله .. 
ترجو الخلاصَ من أزمنةِ الجفاف .. 
من المتاهات .. من الغزواتِ .. 
من أسرارٍ تخبّئها النّزوات ..
من مخالبِ الجنون .. 
من كلِّ الأسماءِ المُستعارةِ .. 
من وُحوشٍ جائعةٍ .. 
من طُغاةٍ تحسبُهم أنبياء .. 

د.ع

نسورٌ بلا أجنحة !




قلتُ لها : 

هَرِمَتْ أحصنَتي .. 
واحترقَتْ سُهولي .. 
وَصارت جبالُ الشموخِ وديانا .. 
تقطّعَتْ أوصالُ أحلامي .. 
ومواسمي يَبِسَتْ قبل َالحَصاد .. 

يا حبيبةُ : 
كيفَ تُحلّقُ النّسورُ بلا أجنحَةٍ !!!
على جبالٍ بلا سُفوح .. 
تختَنِقُ العباراتُ في خاطري .. 
كَسفينَةٍ تغرقُ في بحرٍ هادئ .. 
كَغروبٍ حزين .. 
كَشجرٍ يَموت .. 

أيُّها العمرُ الآفلُ .. 
مثلَ العُمرْ .. 
ها أَنا أُسرِّحُ العقلَ في هزائِمي .. 
وانكساراتي .. 
وأحدِّقُ في مذابحِ الأحلام .. 
أُفتّشُ عن ضوءٍ .. 
وعَن منافذَ ..
لِدمعٍ تحجَّرَ في العيون .. 
ودَمٍ تجمَّدَ من صقيعِ الحُروب .. 

يا حبيبةُ : 
تعبتُ من ولائِم المآتِم .. 
ومن أحكامِ النَّفيّ .. 
والإقصاءِ .. والإعدام .. 
تَعبتُ من السّيرِ في الغياب .. 
في صحراءِ العُقول .. 
تَعبتُ من الأعاصيرِ التي تقتلعُ الابتسامةَ .. 
عن وجهِ طفلٍ يَتيم .. 

يا حبيبةُ : 
أجيءُ إليكِ أحملُ أوزارَ  التّاريخ .. 
وما نقشتهُ الخرافةُ في الوعيّ .. 
والذّاكرةِ .. والرّوح .. 
أحملُ زمنيَ المصبوغَ بلونِ الدّماء .. 
أجلسُ إليكِ .. أشربُ قهوةَ الصّباح .. 
وأقرأُ وجهي بوجهكِ .. 
وأقرأُ سِفرَ الخروج .. 
من لهيبِ المكان .. 

د.ع

يدُ الخلاصِ !




قلتُ لها : 

ما عدتُ أعلمُ : هل أنا مسجونٌ في الليلِ ..
 أم الليلُ مسجونٌ فيَّ ..
 وهل أنا مقيمٌ في الحنين ..
 أم الحنينُ يقيمُ فيَّ ؟
كلّما حاولتُ أن أخرجَ من مدارها .. 
أدورُ فيه كمن يدورُ في سرابٍ ..
أو في زحمةِ الظّلام ..   

أنظرُ خلفَ الأحزان .. 
فأرى أيّامي كالطّيور المهاجرة .. 
تسخرُ منّي ومن أحوالي .. 
وأسمعُ صوتاً يتسلّلُ من الغياب .. 
ومن جهاتٍ لا أعرِفُها يهمسُ بأنين :

كلُّ المشاعرِ قابلةٌ للبيعِ والشّراء .. 
كلُّ الأوطانِ قابلةٌ للبيعِ والشّراء .. 
كلُّ الفصولِ .. وكلُّ الرّجالِ .. 
وكلُّ النّساء .. وكلّ الأشياء

أنتظرُ طيفَ أُمّي .. 
يأتيني من قرارِ المسافات .. 
يمدُّ إليَّ يدَ الخلاص .. 
ينتزعُ من صدريَ كلَّ الأفكارِ السّوداء .. 
يُخرِجُني من ممالكَ غارقَةٍ .. 
في الخيانات .. 
وشواطئَ اكتظّت بالزّواحفِ والغبااااار .. 
ونفاياتِ الأرضِ والبحر  .. 
وما تبقّى من جذوعٍ مقطوعَةٍ .. 
وهواءٍ مخنوق .. 

د.ع

الاثنين، 16 يناير 2017

صوتُ الرحيلِ ....




قال لها :
الدّموعُ تمدُّ جذورها نحو الشفاهِ اليابسةِ فتتورّدُ كما الشفقِ ، والقلقُ يصافحُ الحزنَ العميقَ قبلَ السفرِ ، والوداعُ يهمسُ في أُذنِ الفراقِ ؛ اقتربَ الرحيلُ فأطفئْ الشمعَ وأوقد حطبَ الانتظارِ .

 صوتُها يأتيه من بعيدٍ : لا أحملُ معي سوى كلماتٍ وبقايا عتابٍ ، وصوتاً كأنّه الطفلُ اليتيمُ يصرخُ من خوفٍ وجوعٍ . سوف أمضي وفي ذاكرتي صدى أُغنياتٍ عتيقاتٍ ووقعُ مطرٍ ورجعُ عطرٍ وغيمُ دخانٍ .

حبيبي :
دعني أمضي الليلةَ معكَ ، دعني أحفركَ في خيالي أعمقَ وأكثرَ ، دعني أنقشُ أنفاسكَ على جدارِ القلبِ ، بل في القرارِ ، بي شوقٌ أن أرقصَ هذه الليلةَ معكَ على إيقاعِ نبضِ قلبكَ فأشعرُ بدفءِ دمكَ يسري في عروقِ جسدي كالماءِ في سنابلِ القمحِ ذاتَ صيفٍ ، أو حين عطشٍ .

حبيبي :
زورقُ الفراقِ يدقُّ ناقوسَ السفرِ مُقيماً طقوسَ الرحيلِ ، يمخرُ السنينَ ويطوي المسافاتِ . وذراعاي التي تعوّدتْ على العناقِ فارغةٌ إلا من ظِلالِ ذكرياتِ ليلٍ وطريقٍ .

حبيبي :
كم أنا مُحتاجةٌ إلى البكاءِ على صدركَ ؛ لأنّي أخشى أن يعودَ الشتاءُ بلا مطرٍ ، وأخشى أن يعودَ الربيعُ بثوبِ الحزنِ ، بلونِ الحدادِ .

أقسمتُ ألا ألقاكَ وسأمضي دونَ أن ألقاكَ ؛ فالأسئلةُ التي أحملها معي عنّي وعنكَ مرايا من نارٍ وسحابٍ . 

حبيبي : 
سأبقى أسألُ عنكَ الحروف العالقات في خاطري مثلَ أشجارِ الزيتونِ ، مثلَ الحقولِ ، مثلَ الأوطانِ التي احترقتْ بنارِ الثوراتِ وعلقتْ بينَ وحوشِ الظلامِ .

حبيبي :
سأمضي لغدٍ لا يشبه غدكَ وليلٍ لا يشبه ليلكَ ووطنٍ لا يشبه وطنكَ ولغةٍ لا تشبه لغتكَ . سأمضي وفي القلبِ ناران : نارُ صوتكَ ونارُ الحنينِ .

حبيبي :
أعدُّ خطى ما تبقّى من زمنٍ ، والكلامُ يتعثّرُ بين الشفاهِ التي أصابها الكسلُ وهي تنتظرُ قبلتينِ في آنٍ : قبلةَ لقاءٍ وقبلةَ وداعٍ .

د.ع

وجهانِ لضفتينِ .. لا تلتقيانِ !




قلتُ لها :

ما عادَ الجسدُ يستجيبُ لصوتي ..
وهذا المطرُ الذي يحملهُ السّيلُ إليّ لا يروي عطشي ..

كنتِ تدخُلينَ من نوافذِ ليلي مثلَ قُطعان الخيال .. 
وتسكنينَ الجسد ..

ها نحنُ وجهانِ لضفتينِ لا تلتقيان .. 
فقد تصدّعَ الجسرُ ..
واستسلمَ الجسدُ للغياب .. 

هل يكفي الماءُ والثّلجُ والبردْ لأغتسلَ من خطاياي ومن خطايا الجسد ..

يتسرّبُ الضّعفُ من روحي كجرحٍ ينزفُ دماً نقيّاً .. 
وأختبرُ النّار هل ما زالت تسري في الجسدْ ؟

هذا الحُبُّ ثقيلٌ ثقيلٌ كأنّهُ السّرُ يذبحْ ..
كيفَ لي أن أحملَ الماءَ بغربالْ ؟
وكيفَ لي أن أتماسكَ والآآآه تجرُّ الآآآه ؟  
كأنّها الأبدْ .. 

أيُّها الظّلُّ :
ما الفرقُ بيني وبينكَ ؟
أراكَ ترتجفُ كما ترتجفُ أطرافُ الجسدْ .. 
وأراكَ ترسمُ على الأرضِ صورةً لي .. 
لا روحَ فيها ولا جسدْ .. 

هامش : ما أشقى الإنسان حينَ يصبحْ ظلاً بلا وطنْ .. 
ما أشقى الظل حينَ يصبحُ بلا جسدْ ..

د.ع

مغارةُ الأحزان !




قلتُ لها :

شيّدتُ مغارةً لأحزانكم .. 
وأقمتُ مواقدَ الدُّموعْ ..
وأعلنتُ البُكاءْ أيّاماً ثلاثاً ..
وطوّفتُ حولَ الكفنْ سبعاً ..
وهذيان الثّكالى يشقُّ الغضبَ نصفين .. 
فيجنُّ بخورُ العودِ حينَ يُقبِّلُ الكفنْ .. 

هذا الليلُ مُحمَّلٌ بالأفكار العتيقةِ التي تُهيّجُ ذراتَ الملحِ في العُيون .. 
هل الرّيحُ مواتيةٌ لإقامةِ دولةِ الجُنون .. 
لا تنبشوا في الهوامشِ .. 
لا تحفروا في الأصول .. 
لا تبحثوا في المُتونْ عن شاهدٍ أو دليل .. 
فالقتلُ منذُ الأزلْ كُفرٌ وجُنونْ .. 

من بُطونِ القبائل قامتْ الأصفاد .. 
وتقاطرتْ السلاسل .. 
من متونِ المذاهبْ حُشرتْ وحوشٌ تفوقُ احتمالَ البشر .. 
.
.
.
.
.
.
.
ربنا اجعلْ لهم في قبورهم نوراً ..
فقد ماتوا ولم يعرفوا : لمَ ماتوا .. 

هامش : يهربُ السؤال من حُجرتي : من يمسكُ بأعنّة الحُروب .. من يُشعلُ نيرانها .. ومن يبني بيوتاً حجارتُها أجسادٌ وجمرْ ؟

د.ع

السِّرُ المُقدَّسُ ..




قلتُ لها :

حين يأتيني حرفُكِ مُشتاقاً … 
يرتجفُ القلبُ ارتجافةَ المياهِ حين تحطُّ عليها الطيورُ … 

يا لهذا السرِّ ... 
كتلاوةِ شيخٍ  ساعةَ ولادةِ الفجرِ … 
كدعاءٍ … كاتساعةِ جبلٍ … 
كفرحةِ طفلٍ تُبَدِّدُ حسرةَ العيونِ ...

أعرفُ ما تشي بهِ النوايا … 
وأقرأُ ما يجولُ في الصدورِ … 
.وأعرفُ ما تفعلُهُ حمَّى الرحيلِ … 

يا غربةَ المسافرِ في دمي .. 
يا وحشةَ الدروبِ ..
 يا وجعَ الصوتِ حين تصدأُ القلوبِ .. 
يا صرخةَ الثديِّ في فمِ الرضيعِ … حين تجفُّ العروقِ …

هذا البريقُ في عينيكِ يُحييني … كأنّه العشر الأواخر من شهرِ الغفرانِ …

د.ع

دماءٌ .. تتراقصُ مع المطرِ ..




قلتُ لهم :

لا تنظروا إلى الدماءِ التي ترقصُ مع المطرْ  ، ولا تنظروا إلى الأحلامِ المذبوحةِ كالعصافير ، تابعوا السّهر ، فللنبيذِ طعمٌ مختلفٌ في الشّتاء ، وللموتِ لونٌ مختلفٌ في المساءْ ، ولا تنتظروا الغَد ؛ فهو لن يأتي .

لا فرقَ بينَ من هو عميقُ الإيمانِ ، ومن هوَ عميقُ الكُفرِ ؛ فكلاهما يقتلُ ، وكلاهما يرى الدَّمَ يبكي ، وكلاهما يسكنُ كلَّ الجهات ، الأول بيدهِ كتابْ والآخرُ في فمهِ سيجار .

بدأتُ أختبرُ الجذور بعينينِ دامعتين ، وصرتُ أسألُ نفسي : لمَ باتت الجذورُ أشواكاً ؟ ولمَ باتَ الشّجرُ يطرحُ قتلى ؟ .

هذا العمرُ يا حبيبةُ ينهملُ على كتفيكِ كأنَّهُ دموعٌ حارقةٌ ، تبوحُ بأسرار السّنوات وأسرارِ الأحداث التي تتمطّى في بلادي مثلَ السّنينِ العجاف .

من كُلِّ الجّهات يزحفون كالأفاعي ، يندفعون كوحوش الأساطير ، يحلمونَ بنبيذِ هذهِ الأرضْ وحليبها حتى لو كانَ أسودَ .

هذا الزّمنُ يُفرِّغُ سمومهُ في جسدي ، وفي جسد الوطنْ ، لا أرى إلّا حوافرَ التّخلُّفْ تجوسُ خرائبَ الحُروب ، وهذا الصّباح يُلملمُ ما تبقّى منهُ ، ويأمر الشّمسْ أن تُغادرْ المكانْ .

د.ع

من سرقَ النَّار ؟!



قلتُ لها :

طلائعُ الخوف تتسلّلُ إلى الرّوح ، لا أحدَ يستطيعُ دفعها ، وهذا الحزنُ في داخلي يطردُ الحنينَ إلى الغائب الذي لن يعود ، فالسّماءُ أقفرتْ من الرّمالِ ، والصحراءُ أقفرتْ من النّجوم ، لا أعرفُ لمَ الكون صارَ مقلوباً ، فهذهِ الأوديةُ السّحيقةُ تجرفها السّهول ، وهذا الخريفُ يزحفُ نحوَ الرّبيعْ ، وهذا الرّبيعُ يتخلّى عن الحلمِ بعدَ أن جفَّ الضّرعُ وغضبَ الرّبُ ، وأمحلتْ العُقول .

أيُّها المصيرُ لمَ أنتَ شاحبٌ هذا المساء ، هل يئِستَ من الانتظار ؟ أم ما زالَ ظلُّ الضّحايا يُطاردكَ كصرخةِ شهيد ؟ 

يبدو أنَّ اللوحةَ لم تكتمل ، ويبدو أنَّ المسرحيّةَ لم تكتمل ، ويبدو أنَّ الرّوايةَ لم تكتملْ ، ويبدو أنَّ الحربَ لم تكتمل ، ليتني أعرفُ ما الفرقُ بينَ الحربِ والفَن ؟ 

أيُّها الشرقُ الأعمى المُضرّجُ بالحروب ، لا تنتظر الضّوء ، فكلُّ الوجوهِ بلا عيون ، لم يَعُدْ في البئرِ ماءٌ ؛ فالبئر لا قعرَ لهُ ولا قاعا، وهذا الموتُ الرّاعدُ يُقيمُ الولائمَ على ضفافِ النّهرينِ والبحرينِ ، ويدعو القمرَ ليُقيمَ طُقوسَ البُكاءِ على الغريقْ .

هامش : هل تعلمونَ من الذي سرقَ النّار من مواقد الحكمة .. 

د.ع

دموعُ الرَّحيلِ ..



قال لها :

أتعلمينَ بأيِّ دمعٍ سأودعكِ ؟!
بدموعِ السماءِ ...لا
 بدموعِ العينينِ ... لا
بدموعِ القلبِ ... لا 
بدموعِ عاهرةٍ تائبةٍ .. لا 
بدموعِ عذراءَ مُغتصبةٍ .. لا
بدموعِ طفلٍ بلوحةٍ مشهورةٍ .. لا 
بدموع الفرحِ .. بدموعِ المرضِ .. بدموعِ العزاء .. لا
بدموعِ القصائدِ الجاهليّةِ .. لا 
بدموعِ امرأةٍ تتحسّسُ من البصلِ .. لا 
بدموعِ اللقاءِ .. بدموعِ الفراقِ .. لا 
بدموعِ كاهنٍ أو شيخٍ يُمارسُ طقوسَ الرُقيةِ .. لا 
بدموعِ الأراملِ والمُهجّرينَ واللاجئينَ .. لا
بدموعِ أُمٍّ ماتَ طِفلها برصاصةِ ارهابيٍّ اسرائيليٍّ .. لا
بدموعِ سياسيٍّ يبيعُ الأوطانَ ويدّعي النّضال .. لا

سأُودعكِ : بدموعِ القُدسِ ..
بدموعِ بغدادَ ..
بدموعِ صنعاءَ ..
بدموعِ دمشقَ ..
بدموعِ هذهِ الأرضِ التي خانها سُراةُ العرب ..

د.ع

خارجَ الكونِ ..



قلتُ لها :

هذا النّبضُ الذي أُصغي إليهِ لا يمنحُني فرصةً للهرب ، حينَ يلامسُ روحي تزدحمُ فيها الأوهام والأحلام ، وتستيقظُ جراحٌ لا تنام .

هذا النّبض يستدعي إلى مخيلتي مشاهدَ عجيبةً : أسرابا من الأطفالِ الرّاحلين ، وجوعى وذئابايشقُّ عواؤها صمتَ الظّلام ، لا أرى ضوءاً سوى ذلك الضوء الذي يأتيني من عيونِ الحيواناتِ الضّالة في خرائبِ الأمكنة .

هذا النبضُ يا سيّدتي يُشبهُ صرخةَ العابرينَ إلى الضّياع ، وكأنّهُ أنفاسٌ تعبتْ من كثرةِ البحثِ عن مصابيحَ تُنقذُ المُدنَ من همجيّةِ القبائل .

هذا النّبضُ لا يتركني أنامُ  بهدوء ، يأتيني كإيقاع ( الجاز ) بأنغامٍ شرقيّة ، والمسرحُ خيمةٌ شرقيّةٌ ، والفرقةُ أقزامٌ تعزفُ على الوترِ بسكينٍ مثلوم .

هذا النّبضُ يأتيني كنُعاسٍ لا يُفارقُ المآقي كأنّهُ العرب في كهوفهم السّحيقة ، يستيقظونَ بعدَ ألفِ عام ثمَّ يقولون : كأنّنا غفونا ساعةً أو بعضَ ساعة ، وحينَ يقرؤون صحفَ الصّباح يعلمونَ أنّهّم خارجَ هذا الكون .. 

د.ع

لم أعد أُجيدُ الصراخ ..



قلتُ لها :

أحملُ في داخلي صمتي ؛ لأنّي لا أُجيدُ الصُّراخ ، كُلُّ مشاعري غارقةٌ في عُزلتها ، لا أستطيعُ أن أفعلَ شيئاً سوى الانتظار على حافة الخراب الذي لم يكتمل .

ما زلتُ مُحاصراً بينَ العقلِ والنّقلْ ، أحاولُ أن أحررَ أيامي من البكاء ، أحاولُ أن أحرر عقلي من أشباه الأسماء ، وأحاول أن أحرر جسدي من هذا الشّلل الأبدي ، غير أن الدماءَ ترفضُ أن تتدفّق في شرايينِ هذا الجسد .

هل أبني لهم خياماً في تخومِ الفجر ؟ هل أشقُّ لهم طريقاً للهواءِ ، هل أفتح لهم نوافذَ الضّحى  لعلّهم يعبرونَ هذا الغسق ؟

ها هم يحملونَ بيدٍ عصا التّعصُّب وبيدٍ يحملونَ عصا الدّين ، وهناك على ضفاف النّهار تتدحرجُ رؤوسٌ مقطوعةٌ وأصابعُ تنزفُ دماً تخطُّ على الأرضِ : هذا الخرابُ كانَ يوماً للشّمسِ وطنا .

د.ع

ما حاجتي للذَّاكرةِ ؟!



قلتُ لها :

هذه اللحظةُ تحتشدُ بالأفكارِ المُتوحِشّةِ والأنهارِ المُتوَحشّةِ ، تئنٌُ من ثقلِ الفسادِ في دمائِهم وفي دماءِ الوطنِ ، ما زلتُ أنتظرُ طلائعَ النُّورِ لكنَّ غبارَ أفكارِهم يغمرُني . 

لا أعرفُ لماذا أشعرُ كأنّني أُشبهُ بحراً معزولاً عن أمواجهِ أو أشعرُ أنّي كقصرٍ قديمٍ تداعت جدرانُهُ ، إلى متى سأبقى أنتظرُ الخلاصَ وأنا أخرجُ من كهفِ مِحنةٍ إلى كهفِ محنةٍ أخرى . ما حاجتي إلى الذاكرةِ .. ما حاجتي إلى التاريخِ ... ما حاجتي إلى الكتبِ والأشعارِ فالبشرُ كلُّ البشرِ من حولي أمواتٌ .

يا حبيبةُ كلُّ الأحلامِ التي تزورني مُتعبةٌ كأنها طيرٌ تاهَ عن السربِ ، أو كأنها أغصانٌ تهاوت حينما سرى السوسُ في جذعِ الشجرةِ .

 كم حاولتُ أن أفتحَ عقلي لهواءٍ جديدٍ ، كم حاولتُ أن أفتحَ صدري لشمسٍ جديدةٍ ، وكم حاولتُ أن أُجدّدَ رؤيتي إلى الأشياءِ من حولي لتبدو أكثرَ جمالاً لكنني كلما أمعنتُ النظرَ لا أجدُ الاَّ القبحَ ولا أجدُ إلا الظلامَ يُطبقُ من كلِّ صَوبٍ .

يا حبيبةُ ...
سأرحلُ مثلَ أبطالِ الأساطيرِ أبحثُ عن مياهٍ بعيدةٍ بعيدةٍ ، وأسألُ عن نارٍ تعُيدُ الطُهرَ لهذهِ الأرض . سأعبرُ هذه اللحظةَ محمولاً على سريرِ احتضاري أنظرُ إلى هذا العالمَ النظرةَ الاخيرةَ وأُلقيَ التحيّةَ الاخيرةَ لأنامَ بهدوءٍ .

د.ع

السجنُ الكبير ..


قلتُ لها :

جسدي يمتلئُ بالجنون والرّغبةِ كأنّهُ البحرُ…  
وحُضنكِ يا حبيبةُ موجٌ يقرأُ أسرارَ هذا البحر .. 

كم أخشى أن يتمدّدَ الصّقيعُ في أعماقي .. 
فيهدأُ جموحي وتتوقفُ مشاعري عن الغِناء ..

لا أستطيعُ أن أنظرَ إلى هذا العالم المُمتلئِ 
بالدّمِ الغارقِ في الظّلامِ السّاكنِ .. 
في الغباءِ ، سأغلقُ كلَّ النّوافذِ .. وكلَّ الأبوابِ ..
وكلُّ ممرّاتِ الرّيح .. 

تهجرُ شفتينا يا حبيبةُ الابتسامات .. 
تأخُذنا سنواتُ الحربِ إلى العُزلةِ .. 
فكُلُّ قواربِ النّجاةِ محاصرةٌ ..
وهذهِ رحى الدوّامةِمتوحّشةُ .
تدورُ بجنون ...

يسألني طيفُ أمي حين يأتيني ليلاً :
لمَ تقتلونَ الضّوءَ في النّهار ؟
لمَ تزرعونَ الشّحوبَ في القمر ؟
لمَ تحجبونَ السّماءَ عن الأرض ؟
لمَ ترتدي الشّمسُ في شرقكم السّواد ؟

نحنُ يا أُمّاهُ نقيمُ في السّجنِ الكبير .. 
تحملنا العقائدُ والأفكارُ إلى ذرى الظّلام ..
نتأرجحُ في الفضاءِ الغريق .. 
مثلَ نسورٍ بأجنحةِ العصافير .. 

د.ع

هروب !





هروب ..

أهربُ من لُغتي المُقيّدة كرجُلٍ محكومٍ بالمؤبّدْ ..
وأهربُ من ذاكرتي المهجورةِ كبيتٍ عتيقٍ .. ومن تاريخي المنحول كالقصائدِ الجاهليّة ..
أهربُ من قُبلةِ امرأةِ عاشقة .. ومن نظرةِ عذراءَ بدويّة ..
أهربُ من دمعةِ طفلٍ خانتهُ كلُّ الثّوراتِ العربيّة ..
أهربُ من خطاباتِ زُعماءِ العرب المُتخمةِ بالكذبِ والنّفاقِ والتّهويلِ والعروضِ المسرحيّة ..
أهربُ من كلِّ القنواتِ الفضائيةِ والندواتِ الثّقافيّةِ ..
وأهربُ من كلِّ الأحزابِ والقبائلِ والعوائلِ وتُجّارُ الغنمِ ورعاةِ البقرِ ..
وأهربُ من كلِّ المُدنِ الموبوءةِ بالمقاتلينَ والنازحينَ والمهاجرينَ وتُجّارِ الحروبِ والنَفطِ والبشر ..

أهربُ من وجعِ بغدادَ وصنعاءَ ودمشقَ وعمّانَ وطرابُلسَ وبيروت ..
أهربُ من كُلِّ العواصمِ التي ما عادت عواصمَ ..
وأهربُ من الشّعرِ العربيِّ والأدبِ العربيّ والفكرِ العربيّ ..
وأهربُ من معلّقاتِ العربِ ومقاماتهم ومجمهراتهم وكلِّ الرّواياتِ المُسندةِ وغير المُسندةِ ..

أهربُ منَ البردِ والجوعِ والعطشِ والنّساءِ وسُحبِ السّماءِ والسّنابلِ الجّائعة والصحفِ الصّفراءِ وصهيلِ الخُيول وشفاهِ العذارى ..

أهربُ من العولمةِ والحداثةِ .. من البنيويّةِ والتّفكيكيّةِ ومنَ القضيّةِ الفلسطينةِ وحقِ العودةِ واللاعودةِ ..

أهربُ منَ الأسئلةِ المُحرجةِ والعاجزةِ ومن قلمي المكسور كمُناضلٍ بلا قضيّة ..

أهربُ من عيونِ طفلتي حينَ تسألني عن القضيّة ..

ملاحظة : أرجو أن يُقرأ النّص بالفعل أخجل بدلاً من فعل أهرب ..

د.ع

الصمتُ الثَّقيل !




قلتُ لها :

رؤايَ غريقةٌ كجُرحٍ عميقٍ في الضّلوع .. 
أطوي الدُّموع خجلاً منَ الحنين ..
وألوذُ بصمتي الثّقيل .. 
لأرقُبَ أيامي ؛ 
كيفَ تمضي في زحام السّنين ؟

أخافُ من حُبٍّ يُساورنُي كالتّعب .. 
يُطلُّ على هجيرِ العُمرِ يسخرُ من ظمأي العتيق .. 

يمضي العُمر ولا نلتقي .. 
كأنّنا يا حبيبةُ الجّهات .. 
أحنُّ إليكِ .. 
ففي الخاطرِ كلامٌ .. 
وفي الرّوحِ نداءٌ ..
وفي العيونِ عتاب .. 

تعالي نبني من احلامنا خيمةً ..
من أغصانِ شجر التُّفاح ..

تعالي نهربُ من كلِّ الوجوهِ وكلِّ العيونِ .. 
وكلِّ الحروب .. 
ونغوصُ في لُجّةِ ذاكَ الحُبِّ .. 
ونرمي جسدينا خلفَ الشّرقِ الملعون .. 
ونستعيدُ العمرَ الضّائعَ من فمِ البركان .. 

تعالي نُعيدُ الضّوءَ للقمر .. 
السِّحرَ لليل ..
العطرَ للزّهرِ .. 
الجنونَ للجسدِ ..
الارتعاشةَ للشفتينِ .. 
اللمعةَ للعينينِ ..
اللحنَ للوتر .. 
الدفءَ للعناق ..

تعالي نُشعلُ النّارَ للمطر .. 
ونغيبُ .. 
نغيبُ ..
كأنّنا في سفر .. 

د.ع

أُمّيون كلّنا .. إلا الموت !





قلتُ لها :

سوفَ يُبعثُ من بينِ أحزاننا 
نبيٌّ ..
ويتنزّلُ من ضوءِ السّماءِ وحيٌ 
وكتاب .. 
فيقومُ من موتهِ 
الوطنُ .. 

أسألُ نفسي :
لمَ لا نُجيدُ قراءةَ أبجديّة الحياة ؟
ولِمَ كلُّ السنينِ ظلّت يا حبيبةُ عِجاف ؟

كلّما رَنَتْ الرّوحُ نحوَ كوكبٍ 
يأتي بقوافلِ النّور .. 
صارتْ كلُّ الكواكبِ يا حبيبةُ 
عمياء .. 

أُميِّونَ كُلُّنا إلّا الموت .. 
وحدهُ يكتبُ على صدورنا 
حتميّة الفناءْ .. 

أُمّاهُ خذيني إليكِ 
فقد فزعتْ من لياليَّ الأحلامُ .. 
استسلمت للظلام. . هذهِ الأرضُ .. 
فأضحى المقامُ شقاءْ ..

ارمدَّ الجمرُ في مواقدِ الحُبِّ 
مثلَ رأسِ رجلٍ غزاهُ الشّيبُ 
فصارَ يبحثُ عن عُكّازٍ من حنين .. 

أُمّاهُ ليتني أُسْلُمُ رأسيَ إلى 
صدركِ الرّحيم ..
وأغيب ..
أسبحُ في لُجّةِ النّور 
أقبسُ من فجّهِ 
زهرةً من نار .. 
وأعود .. أزرعُ في 
جسدِ الظّلام .. نُطفةً من نور .. 

د.ع

قبورُ العرب !



قلتُ لها :

يجيءُ مع الفجرِ
مكلَّلاً بندى الحبِّ
يلمُّ عن وجهِ الدمِ
الغبارَ
ينظرُ إلينا بعينيِّ طفلٍ وعاشقةٍ
هذه الجبالُ الشامخةُ 
ذلَّت 
وهذه الأرضُ
أرملة ...

يجيئُنا كالملائكِ
بأربعةِ أجنحةٍ 
جناحٍ للعيونِ الدامعةِ
وجناحٍ للقلوبِ الداميةِ
وجناحٍ كالظلِّ
 للطيورِ المهاجرةِ
وجناحٍ كالريحِ 
يُعيدُ هذه الأرضَ 
طاهِرَة ...

يجيئنُا كالإعصارِ
يوقظُ في عينِ الظلامِ
النَّهار
يقطعُ من جذعِ النَّارِ
غُصنَ زيتونٍ
وشَرَار
ويقنصُ من برقِ السماءِ
طيراً من حَمَام
يحطُّ على الأرضِ الخراب
ويرسمُ على بقايا جدارٍ 
أوسعَ قبرٍ للعرب 
فيه من العراقِ سبعة
وفيه من الشامِ سبعة
وفيه من اليمنِ سبعة
وفيه من الحجازِ سبعة

تنزّلت من عينِ السماءِ
دَمعة

فأخرجت من السَّنابلِ سبعة
تبكي آخرَ تاريخٍ للعرب ...

د.ع

السبت، 14 يناير 2017

شبحُ وطنٍ ...



قلتُ لها :

كلُّ هذا الدُّخانِ من غيرِ نار .. 
أتعلمينَ من الذي سرقَ النّار .. 
اسألي الرّيحَ عن سرِّ النّار .. 
واسألي الأنفاق عن المصير .. 
فالشّرقُ خاتمٌ في كومةِ النّار .. 

كلُّ المرايا مُعطّلةٌ .. 
إلّا الماء .. 
فهو مرايا للأغبياء .. 

يُناديني الليلُ .. 
يضمُّني إلى صدرهِ كشجرةِ نخيل .. 
يسألُني عن الأجساد العارية .. 
وعن العُقول المُتخمةِ بالزّبد .. 
وعن الوجوه التائهة بينَ الدُّروب ..
وعن الأنفاس التي خَبَتْ ثورتُها .. 
ويسألني عن الغيوم المُتعثِّرة .. 
وعن الطُّيور المُهاجرة ..
من أفواهِ المدافعِ إلى أنياب البُحور .. 

ويسألني عن البحور كم طَوَتْ أحلاماً .. 
وتفتّحت بينَ أعماقها جِراح  .. 
ويسألُني عن النّور .. 
وعن صدى الجنون .. 
وعن شاعرٍ يحملُ بُندقيّة .. 
وفيلسوفٍ يُدمّرُ مدينة .. 

لا أعرفُ لمَ يسألُني الليلُ عن الصّباح :
منذُ سنين لم يُشرق في وطني صباح .. 
ولم يهدلْ حمام .. 

منذُ سنين وهم يرسمونَ بريشِ الغُراب .. 
شبحَ وطنٍ وقوافيَ لباب .. 
لا تمرُّ به امرأةٌ .. 
ولا تطرقُهُ سماء .. 

د.ع

ليتني . . . ما !



قلتُ لها :

حبيبتي .. 
ليتني ما عشقتُ .. 
ولا سرّحتُ النظرَ في سقف الليل .. 
ولا انتظرتُ قمراً يبكي لحالي .. 
ولا مطراً يرقصُ على دقّاتِ قلبي .. 

حبيبتي .. 
ليتني ما حلُمتُ .. 
أو انتظرتُ مثلَ الأطفالِ .. 
عيداً لأفرحَ .. 
ولا انتظرتُ ابتسامةً من عينيكِ .. 
أو نظرةً توقظُ الجمرَ في قلبي .. 

حبيبتي .. 
ليتني ما كتبتُ لكِ الرّسائلَ .. 
ولا رسمتُ لكِ الأزهارَ البريّة .. 
ولا حفرتُ اسمك على جناحِ طيرِ الحمام .. 

حبيبتي .. 
ليتني ما نمتُ على صدركِ ..
كما ينامُ الأطفال .. 
ولا سافرت يداي بينَ خصائلِ شعركِ ..
مثلَ النُّجوم .. 
ولا ارتعشتُ رعشةَ طيرٍ مذبوح .. 

حبيبتي .. 
ليتَ الحنينَ ما نبضَ في العُروق .. 
ولا سرى صوتكِ في دمي كالنّبيذ .. 
ولا تقاذفتني أحلامٌ لا حُدودَ لها ..
ولا التفّت حولَ مشاعري جُزرُ الغُيوم .. 

حبيبتي .. 
ليتَ هذا الزّمان ما احتضنَ حبّنا .. 
وليتَ هذا المكان .. 
ما كانَ مأوى لمشاعرنا .. 
هُنا يا حبيبةُ تموتُ الجُذور .. 
وتتوقّفُ البحارُ عن الجنون .. 
وتتعطلُّ دورةَ النُّجوم .. 
ويحتضرُ الماءُ في الغُيوم .. 
ويتعطّل النّهار .. 
وينطفي الغرامُ كنورِ المصابيح .. 
في مسالكِ الرّيح .. 

حبيبتي .. 
لا تهُزّي قلبي الجريح .. 
فأنا لا أُحسنُ أمامَ حضرةِ الموت ..
أن أتلو قصائدَ الرّثاء ..

د.ع

الجمعة، 13 يناير 2017

ليلةٌ فارغةٌ ...



قلتُ لها :

فارغةٌ ليلتي إلا من حُلمٍ عتيقٍ ..
وبقايا رغيفٍ جافرٍ
وطريق ..
لا أتهجَّى أوَّلها 
ولا أقرأُ المصير ...

وهناك .. 
في زاويةِ اللَّيلِ كرسيٌّ متحركٌ
ورجلٌ يقرأُ كتاباً
وصوتُ بابٍ قديمٍ
تغازلُه الريحُ
ونباحُ كلبٍ عاطِلٍ عن الوفاءِ
وصورةُ طفلٍ غريق ..

فارغةٌ ليلتي إلاَّ منَ المستحيل
يتمدَّدُ في داخلي كالقهرِ
أو كجذورِ شجرةٍ عجوزٍ
تتبعُ أثرَ الماءِ
قبلَ أن تجفَّ العروق ..

فارغةٌ ليلتي كامرأةٍ بلونِ الشَّيبِ
تستعيدُطيوفَ الرِّجالِ الذين مرَّوا على جسدِها ..
ورحلوا بلا ابتسامةٍ 
ولا سلام ...

د.ع

اللوحة السَّابعة ..



قلتُ لها :

تأملي اللوحةَ السابعة 
تزدحمُ بالألوانِ الحمراءَ والوجوهِ المهزومةِ 
وخرائطَ لوطنٍ يتمزَّقُ مثلَ القلب ..

انظري إلى سمائِنا ترتدي ثوبَ الغَضب ..
كلُّ النُّجومِ اطفِئَت
سوى نَجمةٍ هناك 
كأنَّها اشارةٌ ضوئيَّةٌ على مَفرقِ طُرقٍ خالية
 إلا من عربةٍ مُعطلة 

تأملي وجهَ امرأةٍ نصفَ عارية 
بنَهدٍ واحدٍ وشَفةٍ مُشقَّقَة 
كأنَّها أرضُ حورانَ في تموز 
ثمَّةَ طَعنةٌعلى فخذِها الأيسر 
ينزفُ ...
فيرسمَ وطناً جديداً كعينيِّ طفلٍ 
يطاردُ فراشة 

وهناكَ في الزاويةِ السفلى 
جدارٌ وبقايا سفينةٍ مخرومةٍ وشراع
وطفلٌ هاربٌ من مِديَة
وآثارُ كهفٍ مهجورٍ 
يحرسُهُ كلبٌ دونَ نُباح 
ونفرٌ مِن الرِّجالِ 
تحسَبُهم أيقاظاً وهم أموات

ليتَ الطفلَ ما مات 
وليتَ الجدارَ ما كانَ جدار
وليتَ البحَّارَ فكَّ أسرارَ الموجِ 
وأدركَ ما تقولُه الرِّياح

آخرُ اللوحاتِ امرأةٌ وطفلٌ وبحرٌ وشِراع
ووطنٌ يُذبَحُ يوماً ويوماً يُبَاع
والكلبُ هناك ..
ما زالَ باسطَ الجسدِ وباسطَ الذِّراع

د.ع

وطنٌ .. نخونهُ كلَّ يومٍ ..


قلتُ لها : 

مشاعري باردةٌ .. 
كنهرٍ مُصابٌ بالزُّكام .. 
كسحابةٍ تتمطّى ..
في ليلةِ صقيعٍ ساخنة .. 

لم أعد أُحسُّ بالأشياءِ من حولي .. 
حتى لُفافةُ التّبغِ بينَ يديّ باردةٌ .. 
والمرأةُ بينَ أحضاني باردةٌ .. 

حُروفي لم تعُد متماسكة .. 
كأنّها قبائلُ عربيّة متصارعة .. 

خُطايَ مُتردّدة .. 
كأنّها خُطى امرأةٍ زُفّت .. 
إلى عريسها عُنوةً .. 

غصّت مُدُني بالحرمان .. 
والكلابِ المُنافقةِ .. 
وازدحمت شوارِعُها بالأغربةِ .. 
والمذاهبِ .. 
والأحزابِ السياسيّة .. 
والقصائدِ الخائنةِ .. 
والسّيوفِ الكاذبةِ ..
ومواكبَ مخاتير من القرن التّاسع عشر .. 

هذا الوطن نخونُهُ كلَّ ليلةٍ .. 
نوهمهُ بأنّهُ الوحيدُ .. 
والعظيمُ .. 
والخالدُ .. 
ونوهمهُ بأنّنا ندفعُ .. 
في سبيلهِ الغالي والرّخيص ..
فيُصابُ بجنونِ العظمة ..
كامرأةٍ قالوا لها ذاتَ يومٍ : 
أنتِ أجملُ النّساء .. 

د.ع

الخميس، 12 يناير 2017

حين أكونُ معكِ ...



قلتُ لها :

حينَ أكونُ معكِ .. 
أخالُ نفسي أميراً .. 
أو ملكاً .. 
أو شاعراً .. 
من شُعراءِ الإغريق .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
أُحسُّ قلبي حبّةَ تينٍ عذراء .. 
وأشعرُ أنَّ العُمرَ كالمياهِ الهادرة .. 
تتجدّدُ باستمرار .. 
وأشعرُ يا حبيبتي .. 
أن أحلامي تنمو .. 
مثلَ عرائشِ العنبِ .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
أشعر أنَّ وطني يُقيمُ فيَّ .. 
وأنَّني أمتلكُ الزمانَ .. 
وأمتلكُ المكانَ .. 
وأتقدّمُ الصّفوفَ .. 
أحملُ حرفي سلاحاً يُدافعُ ..
عن إرادة الشُّعوب والغنم  .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
لا أعترفُ بالأوطانِ المُقسّمةِ .. 
ولا أعترفُ بالتسوياتِ المشبوهةِ .. 
أُحسُّ أنّي أقوى من كلِّ التحالفاتِ .. 
على الأرضِ العربيةِ : 
أقوى من التحالف الدولي في العراق .. 
وأقوى من التحالف الدّولي في الشّام .. 
وأقوى من اسرائيل في فلسطين .. 
وأقوى من التحالف العربي في اليمن .. 
وأقوى من التحالف الدولي في ليبيا .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
أُحسُّ أنّي أقوى من :
داعشَ .. 
والنُّصرة .. 
وأحرارِ الشام .. 
وأحرارِ العراق .. 
والحوثيين في اليمن .. 
والسنغاليين في ليبيا .. 
وأُحسُّ أنِّي أقوى من القاعدة .. 
في باكستان .. 
وأقوى من طالبان .. 
في أفغانستان .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
أمتلكُ الكُرةَ الأرضيّة .. 
مثلَ رئيسٍ أمريكيٍّ مغامر .. 
لا يُتقنُ إلّا افتعال الأزمات .. 
وسرقة شعوب العالم السّابع عشر .. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
لا أشعرُ بارتفاعِ الأسعار .. 
ولا انخفاضِ درجاتِ الحرارة .. 
ولا سرقةِ أموالِ الضمان الاجتماعي .. 
ولا فساد الغذاء والأدوية .. 
ولا أشعرُ بفسادِ التّعليم .. 
وانحراف المناهجِ عن مضامينها .. 

حينَ أكونَ معكِ .. 
أشعرُ أنَّ الانتخاباتِ النيابيّةِ نزيهة .. 
وأن مجلس النّواب يمتلك إرادةَ نفسه .. 
وأن مجلس الأعيان منتخبٌ من الكادحينَ والجوعى والزّبالينَ .. 
ومطاردي البعوض والذُّباب .. 

حين أكونُ معكِ :
أشعرُ أنَّ البعوض في وطني أُسودٌ .. 
وأنَّ الأرانبَ في بلدي نمور..  
والديكة سباع..
والخرافَ ضباع.. 

حينَ أكونُ معكِ .. 
أشعرُ أنّ العربَ دولةً عُظمى .. 
وأشعرُ بحقوقِ النساءِ والأطفالِ .. 
والحيواناتِ البريّة .. 
وأشعرُ أن السّنابلَ تُصلّي .. 
والعصافيرَ تُهلل .. 
والأرضُ تطوفُ حول الإنسان .. 
ليشعُرَ ولو مرّةً في تاريخهِ أنّهُ إنسان .. 

هامش : عفواً فيروز .. 
أنا لحبيبي وحبيبي مش الي .. 

د.ع

الأربعاء، 11 يناير 2017

جنونُ الثورات ..



سبحان الذي أسرى بالعرب ليلاً نحوَ جنونِ الثّورةِ والتدمير ، فحسبوها لحظة ميلادٍ جديد ، فإذا بها ربيعٌ يورقُ موتى ودماء . وسبحان كل المعارك التي تتناسلُ جثثاً عربيةً وخياماً وأرامل ومتسولين ومشردينَ يتكاثرونَ كلَّ يومٍ مثلَ الأعشاب البريّة . 

لستُ أدري كيفَ تكونُ النهاية بعدَ ما تحولت الأرضُ إلى قبرٍ كبير ؟ 


لا أعرفُ كيف أشرحُ لكل سائلٍ عن الذين يذهبونَ إلى الموتِ الذي يخالونه جميلاً . ولا أعرفُ لمن نقيمُ بيوت العزاء ، وبمن نتقبّل العزاء ؟ لم أعد أعرفُ من هم الضحايا ومن هم الجلّادون ؟ كلهم يحجزون مقاعدَ في الجنّة الموعودة ! أخشى أن تتكاثر المذاهب والطوائفُ والفرق ، وأخشى أن يتكاثر الزعماء وأن تتكاثر الخرائط والدول واللغات .


أخشى من لغتي أن تُشعلَ نارَ الفتنةِ ، حينَ أكتبُ عن ثورات الوهمِ والجوعِ ، وأخشى أن أتّهم بالعمالةِ ، فتغتالني آراؤهم وتدوسني بساطير العسكرِ مثلَ نملةٍ تبحثُ عن قوتِ الشتاء ، وأخشى أن يصبحَ دمي مهدوراً كَدمِ القططِ والأطفالِ الذين يقتلونَ برصاصٍ طائش . أخشى من لغتي المزعجة أن تفضحَ غباءهم وقصورَ عقولهم .


لغتي لا تحب التصفيقَ ولا علاماتِ الإعجابِ لأنها تفرزُ كل شيءٍ وتعرّي عقولاً نشأت على ثقافةِ الأحذيةِ والهراواتِ والبلاغات الكاذبةِ ، فمنذ أن نضجت لا تتحّدث عن القبائلِ والطوائفِ والمذاهبِ وعملياتِ التجميلِ .

د.ع

ليلٌ أعمى ...


قلتُ لها :

ألمحُ السنينَ تتساقط .. 
سنةً بعدَ سنةٍ .. 
وألمحُ الأسماءْ تغيبْ .. 
كالشّمسِ في ثوبِ الشّتاء .. 
وأرى العرب .. بثيابِ النّوم .. 

يودّعونَ عاماً من الغباءِ .. 
ويستقبلون عاماً منَ الهبلْ .. 

أيُّها الألمْ .. 
كم يلزمُكَ منَ الوقت لتغادر جسدي .. وجسدَ المكان ؟
فقد تعبتْ عصايَ وتصدّعَ المكان .. 

رسائلي تعثّرتْ بحُروبكم قبلَ أنْ تصلَ إلى القلوب ..

ألمْ أقل لكم إنَّ الفرح تأخرَ إلى العام الجديد .. 
وأن العصافيرَ المُهاجرة ماتت قبلَ أن تحُطَّ على الغُصون .. 

ها هم يضيئونَ القنابلَ احتفالاً بالظّلام .. 
ها هم يُقيمونَ المشانقَ للحمام ..
تزحفُ عقاربُ الموتِ نحوي .. 
ويزحفُ الوقتْ وأنامْ .. 
فأرى بينَ الحُلمِ والحُلمْ قلعةً تسقط .. 
وأحلاماً تُمزّقُها الرّيح .. 
وفضاءً يضيقْ .. 
ومآتمَ تستفيق على صوتِ النُعوشْ .. 
وأرحاماً تقطعُ وصلها الأرحام ..

ما عادت الدّروبُ تقودُ إلى الدّروب .. 
فهذا الليلُ أعمى .. 
وذاكَ الليلُ مأوى للذّئابْ ..

د.ع

لم بات الشجر يطرح قتلى ؟

قلتُ لهم :

لا تنظروا إلى الدماءِ التي ترقصُ مع المطرْ  ، ولا تنظروا إلى الأحلامِ المذبوحةِ كالعصافير ، تابعوا السّهر ، فللنبيذِ طعمٌ مختلفٌ في الشّتاء ، وللموتِ لونٌ مختلفٌ في المساءْ ، ولا تنتظروا الغَد ؛ فهو لن يأتي .

لا فرقَ بينَ من هو عميقُ الإيمانِ ، ومن هوَ عميقُ الكُفرِ ؛ فكلاهما يقتلُ ، وكلاهما يرى الدَّمَ يبكي ، وكلاهما يسكنُ كلَّ الجهات ، الأول بيدهِ كتابْ والآخرُ في فمهِ سيجار .

بدأتُ أختبرُ الجذور بعينينِ دامعتين ، وصرتُ أسألُ نفسي : لمَ باتت الجذورُ أشواكاً ؟ ولمَ باتَ الشّجرُ يطرحُ قتلى ؟ .

هذا العمرُ يا حبيبةُ ينهملُ على كتفيكِ كأنَّهُ دموعٌ حارقةٌ ، تبوحُ بأسرار السّنوات وأسرارِ الأحداث التي تتمطّى في بلادي مثلَ السّنينِ العجاف .

من كُلِّ الجّهات يزحفون كالأفاعي ، يندفعون كوحوش الأساطير ، يحلمونَ بنبيذِ هذهِ الأرضْ وحليبها حتى لو كانَ أسودَ .

هذا الزّمنُ يُفرِّغُ سمومهُ في جسدي ، وفي جسد الوطنْ ، لا أرى إلّا حوافرَ التّخلُّفْ تجوسُ خرائبَ الحُروب ، وهذا الصّباح يُلملمُ ما تبقّى منهُ ، ويأمر الشّمسْ أن تُغادرْ المكانْ .
د.ع

مدينة بلا أحياء

قلتُ لي : 

كأنّك مدينةٌ بلا أحياء ، شوارعُها مزدحمةٌ بالأموات ، ومُضاءَةٌ بالجماجمِ والأضلاع ، لا يطرقُ ليلَها شُعاعُ قمر ، ولا يزورُها الفجرُ إلّا مرّةً كلَّ عام ، ليطمئنَ على الأموات  ؛ هل ما زالوا أمواتا ؟ 

كأنّك ينابيعُ عطشى ، ظمأى إلى الماء ، وهي مهدُ الماء ، وكأنّك سلالمُ بلا أطراف غيرُ صالحةٍ إلّا للصُّعودِ نحوَ الأسفل .

لمَ تُعاندُ رياحَ الهزائمِ ؟ أما تعبتَ من أعاصير الظّلام ؟ وعقلكَ هل ما زالَ ضائعاً في متاهةِ الأفكار ؟ كم قلتُ لكَ : إنَّ هذا الوطن لم يعُد صالحاً أن يكونَ حمى ؟ 

ماذا تبقّى من قُواك حتّى تعصرَ اللفظ لتمُصَّ الحشراتُ رحيقَ المعنى ؟ لا أعرفُ هل المعاني تولدُ في بلادي ميّته أم هل المعاني أصبحت منفيّة ؟ 

لا تُحاول أن تستعيدَ اللحظة ؛ فاللحظاتُ المسروقةُ لا تعودُ أبداً ، اطوِ أشرعة السُّفُن ؛ فبحارُكَ بلا مرفأ ، وعبيرُكَ بلا عطرٍ ، وليلُكَ بلا فجرٍ ، وطلُّكَ لا يُحيي الأشجار بعدَ موتها ؛ فالأشجارُ حينَ تموتْ تصبحُ حطباً ؛ فلا تُحاول أن تعصُرَ الغَيم ؛ فالعقولُ تحجّرت وأصابها اليباس . 

متن : هكذا هي المُدن التي يبتلِعُها الظّلام . 

د.ع

كل شيء يحتضر


قلتُ لي : 

كلُّ الأشياءِ حولي تحتضرُ .. 
الذّكرياتُ .. 
الكلماتُ .. 
النظّراتُ .. 
الأحلامُ .. 
الحاضرُ .. 
المستقبلُ .. 
الصّورُ .. 

أقيمُ بينَ الأوهامِ والأساطير .. 
كأنّني صنمٌ أو حجر .. 

أقرأُ في عيونِ المُهجَّرينَ ما يخُطُّهُ الدّمعُ عن حاضرٍ ينكسرُ .. 

أستحضرُ قُروناً من الوجعِ… 
القمعِ .. 
الجدلِ .. 
الاعتزال .. 
وأستحضرُ كلَّ شرائعِ الرّفضِ .. 
والخُروج .. 
وعقائدَ الوهمِ والمجاز .. 
فإذا الحاضرُ هو ماضٍ مُثقلٌ بالضلال .. 

أنشرُ أشرعةَ الوهم .. 
وأُبحرُ في عقولِ الجّفافِ والصّقيعِ .. 
فلا أرى إلّا عُهوداً .. 
نُقِضتْ .. 
وآيادٍ أقسمت أن تنصُرَ الله والإنسانَ .. 
وما نصَرتْ سوى مُلوكِ الطّوائفِ والغَنم .. 

آهٍ ما أشقى أن تعيشَ في وطنٍ .. 
لا يشدو فيه طائرٌ .. 
ولا يطيبُ في ليلهِ سمرُ .. 
ولا يحلو على شواطِئهِ نَغمْ .. 

د.عاطف الدرابسة

الثلاثاء، 10 يناير 2017

اللغةُ المهزومة ..



قلتُ لها :  

لا تحاولي أن تُفلّي لُغتي ، أو أن تتأملي الرسائل التي تحملُها ؛ فهي مثلُ وطني : صداعٌ وسُعالٌ وجلطاتٌ مُتتالية ، كم هي بحاجةٍ إلى التّبرّعِ بالنفطِ أو بالماءِ أو بالغاز ، كما أنّها تحتاجُ إلى نظاراتٍ طبيّةٍ ؛ فهي كالزّعماءِ العرب تُعاني من الانحرافِ وقصر النّظر .


كم هي تائهةٌ لغتي ، تسيرُ بينَ النّاسِ بلا أوراقٍ ثبوتيّة ، وبلا هاتفٍ محمول ، تسألُ عن الفُقراءِ وعن شياطينِ الإبداعِ ووحوشِ الحروب ، تفتّشُ عن الضّمائر المُنفصلةِ عن واقعها ، تشحذُ عروبتها ، وتدعو طائرَ الفينيق أن يُبعثَ من الدّماءِ أو الرّمال أو الطُّبول .


كم هي غريبةٌ لُغتي عنّي ؛ تزحفُ عكسَ الإتّجاه ، تُفتّشُ عن وطنٍ ضائعٍ في زحمةِ عُرس أو في زحمةِ جنازةٍ صامتة أو مُقيمٍ في فُندقٍ سياحيٍّ بألفِ نجمة .


يا حبيبةُ هذي لُغتي مثلُ مُخبرٍ مخمور ، أو مثلُ راعٍ بلا قطيع ، لا تملكُ إلّا البُكاء على تُراثٍ ضائعٍ أو تاريخٍ مُشوّهٍ بحروقٍ من الدّرجة الأولى .


يا حبيبةُ ما أكثرَ خسائرَ لُغتي وما أقلّ مغانِمها ، فهي كامرأةٍ ترتدي ثوبَ الخوفِ المُطرّزِ بالعارِ وقُبلِ رجلٍ مرّ عليهِ خريفُ العُمرِ مرّتين .


يا حبيبةُ لُغتي تعيشُ تحتَ خطِّ الفقرِ وتحتَ خطِّ النّار ، وتحتَ خطِّ الدّمِ ، وتحتَ خطِّ النَّفطِ ، تُضاجعُ كوابيسَ الجّهلِ ، وغربانَ الليلِ ، وجراذينَ النّفايات .


لغتي كالعائلاتِ النّازحة ، كالبحارِ الموبوءةِ بالمُهاجرين ،  محكومةٌ بأقصى العُقوبات ، كلّما مرَّ عليها قارئٌ طارئٌ رماها بعينِ الاحتقار ومشى .


د.عاطف الدرابسة

عمّان .. مشروعٌ بلا أفق ..

قلتُ لها :

عَمّانُ بلا قلبٍ أو عيون ..
سرقتْ كلَّ شيءٍ جميلٍ :
الابتسامةَ ..
والفرحَ ..
والغناء ..

حينَ يستيقظُ الوحشُ في عَمّان ..
نغضبُ ..
ونثورُ ..
ونجوع ..
ثم نأوي الى القبر وننام

لم يعُد يا عَمّانُ دمعٌ يكفي للبُكاء ..
ولم يبقَ لحمٌ يُغطّي العظمَ ..
ولم تتبقَ في الوجوهِ دماء ..

عَمّانُ لا تعرفُ كيفَ تُبتكرُ الحلول ..
منذُ أعوامٍ وأعوام ..
ونحنُ نلفُّ على البطنِ الحِزام ..

منذُ أعوامٍ وأعوام ..
ونحنُ نحلُمُ متى نتنفّس الهواء ..

منذُ أعوامٍ وأعوام ..
تجثُمُ على صدورنا الدُّيون ..
ولا احد يعرف حتّى الآنَ كيف ولماذا ..
تتناسل الديون ؟

عَمّانُ كالسفينةِ الفارغةِ ..
كالمرأةِ العاريةِ ..
كالأرضِ اليابسةِ ..
كشجرةٍ بلا ثمر ..
قابلةً للموتِ المُفاجئ ..
دونَ سابقِ إنذار ..

عََمّان تبدو في النّهار كمسرح اللامعقول ..
وفي الليلِ تبدو كمطعمٍ أو مقهى أو مبغى ..
بلا قانون ..

عََمان علمتنا أن نقف على أبواب الجوامع والإشارات الضوئية ..
والحاويات الفارغة ..
كالكلاب او القطط الجائعة

عََمّانُ فوضى منظّمة ..
وفسادٌ مرعيٌّ محسوب ..

عَمّانُ مشروعٌ بلا أُفقٍ ..
ولا فجرٍ ..
ولا عنوان ..

قولي لي يا حبيبةُ ..
كيفَ أروي عطشي..
وكيف أطوي جوعي ..
وعََمّانُ لا تُتقنُ شيئاً ..
إلّا أن تتمدّدَ في جيوبي ..
لتأتي على آخر فلسٍ من دمي ..

عَمّانُ  تُعيدني إلى أيامِ الجاهليةِ الأولى ..
كشاعرٍ يبكي أطلالَ الرّاحلين ..
كناقةٍ تطوي الصّحراءَ بحثاً عن حفنةِ ماء ..

عَمّانُ كأبجديةِ الظّلام ..
لا تُقيمُ شعائرَ البقاء ..
ولا تسمعُ بكاء الفلاحين ..
وأنين المرضى والجياع ..

عفواً عََمّانَ ..
ما عُدتِ وطناً صالحاً للعيش ..
ولا عادَ لديَّ وقتٌ للقاء ..
فأنا على موعدٍ مع الرّحيل ..

د.عاطف الدرابسة