الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

السَّماءُ .. والأملُ المُنتَظر !


قلتُ لها :

هذهِ السّماءُ كثوبٍ مهجور .. 
ضاقَ بعدَ سنين على الجسد .. 

هذهِ السّماءُ كأرضٍ جافّةٍ .. 
لم يطرق بابها مطرٌ .. 
ولا شقَّ بطنَها محراث .. 

هذهِ السّماءُ تغصُّ بالظّلام .. 
لا طيرٌ يُحلِّقُ في أُفقها .. 
ولا تمرُّ أمامَ عينيها شمسٌ .. 
ولا يمدُّ ذراعيهِ إليها فقير ..
كأنّها جُثّةٌ مُحترقةٌ مرميّةٌ على قارعةِ الفضاء .. 

ما أطولَ الطريقَ إلى المُستحيل .. 
حينَ يموتُ في أحلامنا الفجرُ .. 
وحينَ الحُريّةُ لا تكونُ وطناً .. 
هل تنتصبُ السنابلُ بلا سيقان .. 
وهل يحنُّ العودُ بلا وتر .. 
ها نحنُ نتساقطُ كما يتساقطُ الثّمر .. 
حينَ يجفُّ الماءُ في أغصانِ الشّجر .. 

هذهِ السّماءُ كنساءِ الليل تملؤها شهوةٌ آثمةٌ .. 
يقودُها شيطانٌ ثملٌ بخمرٍ فاسدٍ  ..
وتتجوّلُ في مُخيّلتها أفكارٌ ذابلة .. 
تتنّفسُ في وجوهنا كنبتةٍ سامةٍ .. 
أو كجرحٍ عَفِن .. 

هذهِ السّماءُ صامتةٌ كخيلٍ محكومٍ بالإعدام .. 
كمتسوّلٍ بلا أطراف .. 
كظلٍّ يسخرُ من قدميه .. 
كوقتٍ لا يشعرُ بالوقتِ .. 
كموتٍ لا يشعرُ بالموتِ .. 

هذهِ السّماءُ تلفظُ الأملَ الأخير ..
بعدَ أن تعطّلَ الغناء ..
في جوفِ آخرِ طيرٍ حلّقَ فوقَ أرضِ العرب .. 

د.ع

الأحد، 1 أكتوبر 2017

رحمُ السَّواد !


قلتُ لها :

ليتَ يدي تستطيعُ أن تقطفَ تلك النَّجمةَ 
لتجعلها شامةً 
بينَ عينيكِ 
تَعبَقُ بالضُّوءِ 
ليستيقظَ قُبيلَ العيدِ 
في قلبِ الليالي المعتمةِ
النُّور ..

ليتَ يدي تستطيعُ أن تُمسِكَ بحبالِ المطر
فتُحيلُهُ عقداً 
على صدركِ
أو سِواراً 
في يديكِ
فترتوي الكواكبُ 
وتحيا الأوقاتُ المَيِّتةُ 
في هذه الأرضِ 
الخراب ...

أيها العيدُ ..
بأيِّ ثوبٍ ستأتي ؟
وبأيِّ لونٍ ستأتي ؟
أخشى أن لا يعرفكَ الأطفالُ وهم
يخرجونَ من رَحمِ هذا السَّواد ...

د.ع

قبرٌ للزمن !


قلتُ لها : 

لم تعُد أصابعُ يدي قادرةً على أن تمسكَ القلمَ .. 
لترسُمَ على خدِّ الفجر ..
ابتسامةَ طفلٍ في أوَّلِ أيّامِ العيد .. 

لم تعُد قدمي قادرةً على أن تسرقَ خطوةً 
أو خطوتين 
لأرقُصَ معكِ 
على إيقاعِ الحربِ والموت 
رقصةَ العيدِ  ..

لم تعُد عيني تستطيعُ أن ترى ما يحجبهُ الظّلام ..
 في منتصفِ النّهار .. 

لم يعُد قلبي يرتجفُ حينَ يسمعُ صوتكِ ..
كأنهُ حجر .. 
كلُّ شيءٍ يتأرجحُ في داخلي .. 
كأنّهُ الألم .. 
أليسَ لهذا الحُزنِ حدٌّ ..

أُحاربُ سنينَ العُمر .. 
لأعبرَ إليكِ .. 
أتوسلُ إلى الله أن أفقدَ ذاكرتي .. 
وضجيجَ كلماتي ..  
وأحفرَ قبراً للزّمنِ الطّاعنِ في السّنِ .. 
وأفرشَ هذهِ الأرضَ بالأحلام .. 
لزمنٍ جديد كأنّهُ العيد ..
قبلَ أن تموتَ بينَ عيونِ الأطفالِ ابتسامةُ العيد .. 

د.ع

إنَّهم يقيمونَ في جهازِ المناعة ..




قلتُ لها :

ما أقسى أن يشعرَ الإنسانُ بالخجلِ لا من وطنهِ الكبيرِ بل من القائمينَ على إدارةِ شؤونهِ ، ومقدَّراتهِ ، ويتصرّفونَ في أسبابِ عيشِ المواطنين ، ولعلَّني لا أُبالغُ إذا ما شعرتُ بالخجلِ والحرجِ من سلوكهم ، وسوءِ أفعالهم التي لا تُقنعُ طفلاً أو مراهقاً أو امرأةً أو عجوزاً ، كم هو محزنٌ أن تشعرَ في وطنكَ بأنَّكَ مسلوبُ الإرادةِ لا قدرةَ لكَ على اتخاذِ قرارٍ أو صناعةِ قرارٍ أو الإسهامِ في صناعةِ القرارِ ، وكم هو الحزنُ شديدٌ حينَ تعلمُ أنَّكَ في وطنٍ يدَّعي بأنّه دولةُ مؤسساتٍ ودولةُ قانونٍ ودولةُ حريّاتٍ ورأي  وهو غيرُ ذلكَ . 

ولعلَّ أكبرَ المصائبِ وأكثرها قهراً للنَّفسِ أن تكتشفَ أنّ المؤسسةَ الوحيدةَ التي تعملُ في وطنكَ وفقَ قانونِها الخاصِّ هي مؤسسةُ الفسادِ ، هذه المؤسسةُ أشبهُ بشركةٍ مساهمةٍ محدودةٍ محصورةٍ - بفئةٍ من الذين يشبهونَ كلَّ شيءٍ إلا البشرَ - تجيدُ الرقصَ على الماءِ وتقفزُ فوقَ القوانينِ ، وتتقنُ بامتيازٍ قواعدَ الاختلاسِ ، وقواعدَ النَّهبِ والتزويرِ واختراعِ المشاريعِ الوهميَّةِ .

ومن أعجبِ العجائبِ أن تجدَ هذه الفئةَ تتصدَّرُ وسائلَ الإعلامِ والمنابرَ ، وتُحدِّثكَ عن المهنيةِ والأمانةِ والأخلاقِ والعفَّةِ والشرفِ وسيادة القانون وهي كلُّ ثانيةٍ تخترقُ هذه السيادةَ ؛ هذه الفئة للأسفِ حالُها كحالِ فيروسِ الأيدزِ لا يُهاجم ولا يُقيمُ إلا في جهازِ المناعةِ ، وهي وحدَها القادرةُ على تدميرِ هذا الجهازِ . 

كم هو مُرعبٌ وكم هو مُفزعٌ وكم هو مُخيفٌ أن تعيشَ في وطنٍ خالٍ من جهازِ المناعةِ . فلا أعرفُ كيف سيواجهُ هذا الوطنُ عُشرَ إعصارٍ أو دقائقَ معدوداتٍ من مطرٍ عابرٍ أجواءَهُ بالصُدفةِ ، فالبنيةُ التحتيةُ بلا تحتيةٍ ، والبنيةُ الفوقيَّةُ هي الأخرى بلا تحتيةٍ باختصارٍ نحنُ لا نقفُ على أرضيَّةٍ صلبةٍ .

أوطانُنا من قشٍّ وطينٍ كأنَّها خيمةٌ بلا ستائرَ ، أعمدتُها أُقيمت وسطَ رمالٍ متحرِّكةٍ كلما اتكأتَ إلى عمودٍ تساقطَ من عليائهِ عمودٌ .

عفواً جبران خليل جبران فأعمدتنا متكسِّرةٌ كأجنحتكَ المُتكسِّرةِ ، وعفواً ميخائيل نُعيمة ؛ كيف لنا أن نحملَ الماء بالغربالِ . 

د.ع

اختنقَ الصوتُ .. وماتَ النَّغم !


قلتُ لها : 

اختنقَ يا حبيبةُ الصوتُ 
بالنَّاي ..
وماتَ النَّغم
على حدِّ الوتر ..
وتاهَ 
في سماءِ القلم
نجميَ والقمر ..
فتُهتُ 
كما تاهَ أوَّلُ العُشَّاق ..
وبكيتُ
حتى آخرِ دمعة ..
ونزفتُ
حتى آخرِ نقطةِ دم ..
واعتزلتُ ذاتي 
وحبستُ نفسي
بينَ عينيكِ
حتى صارَ جسدكِ 
يا حبيبةُ منفاي ...

د.ع

وطنٌ .. بلا وطنٍ !


قلتُ لها :

سأحدثكِ يا حبيبةُ عن وطنٍ منهوبٍ ، وعن وطنٍ مقهورٍ ، وعن وطنٍ مظلومٍ ، وأحدثكِ عن فسادٍ أصابَ الفسادَ ، وعن عبادٍ لا يشبهون العبادَ ، وأحدثكِ عن بلادٍ كانت يوماً بلاداً ، وأحدثكِ عن دواءٍ لا يشفي ، وعن خبزٍ لا علاقةَ له بالقمحِ فلا يُسمنُ ولا يُشبعُ ، وأحدثكِ عن شوارعَ تحتاجُ إلى طرقٍ ، وعن مدنٍ خاويةٍ إلا من النفاقِ والشِقاقِ ، وأحدثكِ عن أطفالٍ اتخذوا السهولَ والوديانَ والشوارعَ مأوىً ، وأحدثكِ عن المياه الآسنةِ واللحومِ الفاسدةِ والخضارِ المُسرطنةِ ، وأحدثكِ عن قصورٍ بلونِ دمِ الفقراءِ وخمورٍ من عرقِ الكادحينَ والمُتسوّلينَ ، وأحدثكِ عن قُطّاعِ الطرقِ والأملِ ، وعن حمارٍ حسبَ نفسه أسداً ، وعن نمورٍ صارت أرانبَ ، وعن عصافيرَ صارت نسوراً ، وعن صقورٍ صارت فئراناً ، سأحدثكِ عن خيامٍ من ورقٍ ، وعن لاجئينَ ومشرّدين يقتسمون الطعامَ والشرابَ مع الغبارِ والذبابِ .

 سأحدثكِ يا حبيبةُ عن أحلامٍ تبخرتْ ، وآمالٍ تحطّمتْ وعقولٍ تحنّطتْ وجباهٍ ذلّتْ ، سأحدثكِ عن جنونِ الحروبِ وعن المؤامراتِ التي تُحاكُ في حجراتٍ من ظلامٍ ، وأحدثكِ عن أشلاءِ أوطانٍ ، وعن عواصمَ ما عادت عواصمَ ، وعن مدنٍ صارت خرائبَ ، سأحدثكِ يا حبيبةُ عن رجالٍ ما عاهدوا الله يوماً إلا على الغدرِ ....

تعالي يا حبيبةُ لأُحدثكِ عن المقلوبةِ بلحمِ الأطفالِ ، وعن المناسفِ حين يكونُ الشرابُ من دماءِ العابرين ، وأحدّثكِ عن سلطةِ الخضارِ حين يكون الليمونِ من دموعِ الأراملِ والثكالى وعجائزِ النساءِ ، سأحدثكِ عن أغاني الحُداءِ حين يصبح الزمنُ .. كلُّ الزمنِ ... حدااااااااااااااادْ ...

يا حبيبةُ ..
ما أجملَ الصمتً في حضرةِ غباءِ العربِ ...

هامش ... 
لم أعدْ أعرفُ هل نحن في عصرِ الجاهليةِ أم في عصرِ الحداثةِ ...

د.ع

الفسادُ .. مشروعٌ نهضويّ


قال لها :

منذُ أن عرفتُكِ زادت ثقافتي ، وفاضت معرفتي على العالمين ، فَمُلِئت وديانٌ ، وغُمِرت جبالٌ ، وتداخلت بِحارٌ مع بِحارٍ ، فتَغيَّرَ وجهُ الأرضِ ، وتغيَّرت طبقاتُها ، وتغيَّرَ نوعُ البَشرِ ، ونوعُ الحجرِ ، وأشكالُ الطبقاتِ ، فصارَ لونُ الرَّبيعِ أسودَ كثوبِ امرأةٍ أسقَمَها رحيلُ الأحبَّةِ ، وصارَ لونُ البحارِ أصفرَ كوجهِ فقيرٍ مريضٍ وتنكَّسَت رؤوسُ الجبالِ كعزيزِ قومٍ ذلَّ .

منذُ أن عرفتُكِ تغيَّرت في لغتي الصُّورُ والتشبيهاتُ ؛ فعلمتُ أنَّ الرِّجالَ ألوانُ ، وأنَّ النِّساءَ أزهارٌ كأقراصِ الفلافلِ في أوائلِ كانونَ ، وعرفتُ أنَّ الجنونَ في حضرةِ النِّساءِ تَعَقُّلٌ ، وأنَّ الصراخَ غناءٌ ، وأدركتُ أنَّ الاختلافَ لا يُفسدُ الودَّ فحسب إنِّما يُفسدُ الملوكَ ويَفتِنُ الوزراءَ .

منذُ أن عرفتُكِ علمتُ أنَّ الأوطانَ تُباعُ في أسواقِ الخُضارِ ، وأنَّ الرِّجالَ الرِّجالَ كالنِّفطِ كلَّ يومٍ بسعرٍ ، وأنَّ القِيمَ تُتَداولُ كما يُتداولُ الذَّهبُ بينَ معاصمِ الغانياتِ ، وتعلمتُ أنَّ الفسادَ مشروعٌ نهضويٌّ لا تنهضُ البلادُ إلا بهِ ، وتيَّقنتُ أنَّ العدالةَ كالمطرِ في شهرِ شباط ، وأنٌَ الحريَّةَ حالةُ ترفٍ معرفيٍّ ،  وتأكدتُ أنَّ القوانينَ تُشرَّعُ لخدمةِ الفردِ لا لخدمةِ المجموعِ ، واستشرفتُ أنَّ الجوعَ انتماءٌ ، والدموعَ رقصٌ وغناءٌ ، وأنَّ الكدماتِ على وجوهِ النِّساءِ المُعنَّفَاتِ حِنَّاءٌ ، وثبتَ لديَّ أنَّ تشرُّدَ الأطفالِ والتسوُّلَ ما هو إلا استعدادٌ رياضيٌّ ومعسكرٌ تدريبيٌّ للحصولِ على ميداليَّةٍ ذهبيَّةٍ في بطولةِ عالميَّةٍ كالأولمبيادِ مثلاً .

منذُ أن عرفتُكِ انقلبت المفاهيمُ رأساً على صخرةٍ ؛ فالنَّخوةُ تهوُّرٌ ، والشَّهامةُ اندفاعٌ ،  والكرامةُ تسرُّعٌ ، والانتماءُ نفاقٌ ، والوطنيَّةُ منسفٌ ، والعدالةُ شوربةُ عدسٍ في يومِ صقيعيٍّ باردٍ .

منذُ أن عرفتُكِ آمنتُ أنَّ المرأةَ التي ما عرفت يوماً أن تَهزَّ السَّريرَ بيدٍ هي اليومَ تَهزُّ عروشَ الرِّجالِ بغَمزةِ عينٍ ، وفتحةِ صدرٍ وخصرٍ .

هكذا أنا تغيَّرت هُويَّتي وقناعاتي التي حسبتُها حين كنتُ على مقعدِ الدَّرسِ راسخةً رسوخَ الجبالِ فإذا بها اليومَ راسخةرسوخ الخِيامِ حين يُواجِهها إعصارٌ كإعصارِ إيرما .

د.ع

ثورةُ الجِراح



قلتُ لها :
اختنقَ يا حبيبةُ الصوتُ
بالنَّاي ..
وماتَ النَّغم
على حدِّ الوتر ..
وتاهَ
في سماءِ القلم
نجميَ والقمر ..
فتُهتُ
كما تاهَ أوَّلُ العُشَّاق ..
وبكيتُ
حتى آخرِ دمعة ..
ونزفتُ
حتى آخرِ نقطةِ دم ..
واعتزلتُ ذاتي
وحبستُ نفسي
بينَ عينيكِ
حتى صارَ جسدكِ
يا حبيبةُ منفاي ...
د.ع

الأربعاء، 14 يونيو 2017

جزيرةٌ خارجَ الزَّمَن ...




قلتُ لها :

هذا الزّمنُ 
لا مكانَ فيهِ للكلمة 
ولا فيهِ متَّسعٌ للأفكار
كأنّهُ سماءٌ سوداءُ
بلا غيوم ...

هناك ...
الرِّمالُ لا تسمعُ
والخلجانُ 
في حالةِ تيهٍ
والماءُ
كلُّ الماءِ راكدٌ
كأنَّ الجزيرةَ 
بلا ذاكرةٍ
وبلا عيون ..

هناك ..
لا طريقَ للأحلامِ
وكيف تعبرُ الأحلامُ
والصَّباحُ  ما زالَ 
في نومٍ عميق
والطَّريقُ
إلى الطَّريقِ
بلا طريق ؟

هناك ...
لمحتُ الأغصانَ
تُغادرُ الجذوع
وأجنحةُ الطُّيور
رأيتُها بلا طيور ...

هناك ...
الصَّحراءُ 
ماتَ في صدرِها
الضَّمير 
والرِّيحُ لا تعرفُ
الجِهات 
فسألتُ نفسي :
كيف للسَّفينةِ أن تجري ؟
وكيف للموجِ أن يسير ؟

هناك ..
في بلادِ الهجيرةِ
والحقدِ 
والتكفيرِ 
ليسَ للرَّبيعِ 
مكانٌ
ليسَ للذاكرةِ
مكانٌ
ليسَ للحاضرِ
ماضٍ
وليسَ للماضي
حضور
فسألتُ نفسي :
كيفَ أتنبَّأُ بمستقبلٍ
حاضرَهُ مُفتَّتٌ
وماضيهِ 
خارجَ العقول ..

هناك ..
أشعرُ بالقيءِ 
يتلاطمُ
في أعماقي ؛
فالشَّمسُ قاسيةٌ
تضرِبُ الرُّؤوس
تقسو على الرَّملِ
والشَّجر
تستنزِفُ الماءَ
من الجذور
فيهربُ الظَّلُ 
من الشَّجر 
ويسكنُ الخوفُ
قلبَ الماء
فلا الماءُ 
يجري
ولا تتغيَّرُ هناكَ 
الأشياء ..

د. عاطف الدرابسة

الاثنين، 3 أبريل 2017

التِّيه الأخير ...




قلتُ لها :

لا تسألي أينَ أمضي 
ولا تسألي أينَ الطريق
فأنا يا حبيبةُ
كالأرضِ
أدورُ ..
لا أعرفُ بدايةً
أو نهايةً
للطَّريق ..
عيناكِ تبكيني 
وحبُّكِ يستنزفُني
كالخمرِ العتيق ..
كالسَّيلِ 
حين يغمرني
كالجُرحِ العميق ..

لا تسألي أينَ أمضي 
ولا تسألي أينَ الطَّريق
ما كنتُ يوماً
إلا كعابرِ بحرٍ
تمزَّقت في لُجَّتِه
أشرعتي
فرماني 
نحو شواطىءِ المجهول ..
فتكالبت
عليَّ الأزمنةُ الثَّقيلة
وسخرت منَّي
دورةُ الفصول

لا أعرفُ 
كيف يأتي الصَّباحُ
ولا أعرفُ
كيف يجيءُ المساء
تعطَّل حوليَ الوقتُ
كمَّا يعطِّلُ الحياةَ
الموتُ
فلا فَلكٌ 
في العمرِ يدور
ولا زرعٌ
يناجي السُّهول

خُطاي تائهةٌ
كمدنِ اللَّهبِ
والضِّباب
أبحثُ عن المستحيلِ
في كومةِ السَّراب

أسألُ هذا الزَّمان
عن الغياب
عمَّا يقولهُ الكتاب
وأسألُ الخطابَ
عن الفرقِ 
بين الوجودِ
واللاوجود
عن الموجود
واليومِ الموعود

وأسألُ الأقطابَ
عن التخلِّي
والتجلِّي
والتخطِّي
عن العبثِ
وعن الفرقِ
بين المعقولِ
واللامعقول

وأسألُ الهُدهدَ الذَّبيح
مَن سرقَ السَّحابَ 
مِن السَّماء
مَن سرقَ الرِّيح
مِن الجِهات
مَن علَّم المطر
كيف يقرأُ
ما تقولُه الدِّماء
ومَن سرقَ منِّي الطَّريق

لا تسألي يا حبيبةُ أينَ أمضي ..
ولا تسألي أينَ الطَّريق ..
والريحُ غاضبةٌ
والأفقُ مظلمٌ
والأرضُ هائجةٌ
والظلامُ حِجاب ..

لا تسألي يا حبيبةُ أينَ أمضي ..
ولا تسألي أينَ الطَّريق ..
فقد استأصُلوا من ذاكرتي 
الأخيلةَ والصُّور
فلا ليليَ ليلٌ
ولا صباحيَ صباح ..
أحرقوني حياً
ونثروا رمادي 
في العقول ..
فشعَّ 
في القناديلِ
النُّور
يصرخُ :
يا حبيبَتَهُ ..
خبِّريهِ
من هنا تبدأُ الطَّريق ..

د.عاطف الدرابسة

الأربعاء، 29 مارس 2017

سؤال الوجود ..



قلتُ لها : 

ما أصعبَ الإجابةَ على سؤالِ الوجودِ !
أنتِ النورُ حين يُطفئون النور ...
نارٌ ..
حين يستبيحُ الهشيمُ براعمَ المطرِ ...
سلامٌ ...
حين الحربُ رحىً ...
تطحنُ عظامَ الأطفالِ ...
رؤى ...
حين العمى يُصبحُ نجماً ...
نجماً به يُهتدى ...
فكرٌ ...
حين تغمرنا جحافلُ ظلام الجهل ...
أنبياءُ ...
حين يغيبُ الوحي ، وتُحرق الكتبُ ...
ملائكُ ...
حين شياطينُ الحروبِ تراود الصخرَ والحجرَ ...
حريةٌ ...
حين العصا قابضٌ ...
والقيدُ بيتُ شعرٍ ... 
والسجّان شاعرٌ ...
والأمَة حرّةٌ والسيدة جاريةٌ ...
لعبدِ القصرِ ...
وإلهِ الأرضِ والبشرِ ...

بسمةٌ ...
حين يغتصبون الفرحَ من العيونِ ...
عقلٌ ...
حين يحكمنا الجنونُ ...
خيولٌ ... أصائلُ ...
حين الحميرُ تحسبُ نفسها ليلةَ خمرٍ ... خيول ...

د.عاطف الدرابسة

لولا الظلامُ لمَا تجلّتْ النجومِ !



قلتُ لها :

تغيّرتْ يا حبيبةُ الأحلامُ ...
لم تعدْ أحلامُنا واحدةً ...
وتغيّرَ الخيارُ ...
وتغيّر القرارُ ...
وخمدت في الصدورِ النارُ ...
والشمسُ باتت يا حبيبةُتخافُ من الغيومِ ...
وتخافُ أن يطوي أشعتها المطرُ ...
لا أعرفُ يا حبيبةُ هل حلَّ في قلوبنا الظلامُ أم فقدنا البصرَ !!
يا حبيبةُ كلُّ شيءٍ في داخلي يُقاومُ الرحيلَ ...
يُقاومُ الموتَ ...
ويخافُ من السفرِ إلى اللارجوع .. 
والدموع ...
تُعرّي الروحَ ...
وتفضحُ الصوتَ المكبوتَ في الأعماقِ ...
أمتطي صهوةَ الموتِ كأنني فارسٌ من القرونِ الوسطى أو محاربٌ من عصورِما قبل الميلاد ...
صاغته الأساطيرُ ...
كلما لاذَ من ضربةِ سيفٍ أو طعنةِ رمحٍ ...
أو خيانةِ صديق ...
أو امرأةٍ حسبها ذات ليلةٍ حبيباً ورفيقا ... 
تنازعتَهُ سهامُ الغدرِ والنارِ ...
يا حبيبةُ :
هي النسورُ .. كيف تُحلّقُ بلا أجنحةٍ في فضاءِ النهايات ...
يا حبيبةُ :
لولا الظلامُ لمَا تجلّتْ لنا النجومِ !
د.عاطف الدرابسة

حين تنزفُ الرّيحُ في الليل ..



قالت لي :

أشتاقُ إلى حضنِ أبي .. 
والدَّمعُ يغصُّ في العيون ..

 ليته يجيء .. 
مثلَ الأحلام التي تجيءُ من سماء سماءِ السماوات ..
حضني سرير .. 
خالٍ إلّا من عطرٍ ما زالَ يطوف في الذّاكرة .. 
ستّ سنين ..
يااااه .. وجعَ الفقدِ ..
ياااااه .. وجعَ الرّحيل ..
ما زلتَ منثوراً في الرّوح ..
كأنك انقاااااضُ بيتٍ عتيق ..

يااااا أمسي المهجور .. 
مثلَ بئرٍ عميييييق ..
مثقوووب القاع والجدران ..

يأخذني الحنين ..
 نحوَ شواطئ الطّفولة .. 
حين كنتُ وكاااااان ..
يلملمُ دمعي إذ يسيل ..
مثلَ أوراق كاتبٍ عبثيٍّ ..
حذفتهُ الدّنيا ..
على قوارعِ الحروف والوجع ..
يعبرُ السنين .. 
بعكازٍ من قلمٍ .. وورق ..
ورؤى من أرق.. 
ٍ وقلق ..
تتنزّلُ على أراضٍ قاحلةٍ ..
ودق .. 
يحملُ أحزانه الثقيلات .. 
مثلَ نبيٍّ مصلوب ..
أو رسوووول ..
غااااب ..
في البحر .. 
وعاد من بطنِ الحوت .. 
يحملُ أسرار البحار ..
ليقرأ ما تقولُه السّماء .. 
بوحي آخر الأنبياء : 
" النومُ أخو الموت .. وأهل الجنّة لا ينامون " 

متن : دُمتم من أهل الجنّة .. عيدٌ يحملُ إليكم منّي السّلام ..
د.عاطف الدرابسة

الثقةُ العمياء ..




قلتُ لها :

حين أُصغي إلى الثِّقةِ العمياء ..
يتنزَّلُ الشكُّ ..
من أقصى العُلوّ
يجلسُ بين الكلمات
يسترِقُ السَّمعَ
إلى الهمسَات
يوجِّهُ
بين النفسِ والجسدِ
الرغبات
يقمعُ لغةَ الجسدِ
ويفكُّ أغلالَ الحنينِ
ويرفعُ
عن النوافذِ
كلَّ السَّتائر
فيدخلُ النُّورُ
كالفاتحين 
يرسم 
على سريرِ اللَّيلِ
أزهاراً
حمراءَ 
وصفراءَ
وزرقاءَ
بلونِ السَّماء
كأنَّها هاربةٌ
كالمهاجرين
من فكَّيِّ الخريف

النَّارُ التي تشتعلُ
بالرأسِ 
كالحطب
هي مفتاحُ جميعِ الأسرار
كانت تقولُ لي :
احذر الحارسَ القريبَ 
فهو كمطرِ الصَّيفِ 
غدَّار ..
واجعل الأسوارَ
عاليةً
حتى ينبلجَ
وجهُ اليقين
وتمسحَ يدُ الرِّيح
ما عَلِقَ في العيونِ 
من غُبار ..

أخطائي 
تموجُ في العقل
وتثورُ 
ثورةَ المُغيِّرين
تهبُني جناحينِ
وشراعينِ
وقدمينِ
وجديلةَ ضوء
لأرى
ما تحجبُه 
الغيوم
وما يخفيه
ظلامُ البحرِ
وجنونُ الأرضِ
وظنونُ النِّساء ..

د.عاطف الدرابسة

الاثنين، 27 مارس 2017

خيام الوجع ..



قلتُ لها : 

بينَ عيونِ الأطفالِ الذين يلعبون .. 
أنصبُ خياماً للوجع .. 

وفي سنوات الظُّلمةِ .. 
أزرعُ أشجاراً من ضوء .. 

أيُّها الجُرحُ السّاجدُ .. 
في صدري كالوشم ..
لم يتبقَ في الينابيعِ ماءٌ ..
طاهرٌ للوضوء .. 

حقائبنا ملأى بالأحزان .. 
نحملُ رمادَ  المُدنِ المحروقةِ .. 
كُحلاً في العيون .. 

من أحشاء الرّيح ..
يولدُ كلَّ يومٍ شيطان .. 
يسرقُ من فمِ العصافيرِ الغناء .. 

عفواً بغدادَ .. 
عفواً دمشقَ .. 
عفواً صنعاء..

ما زالَ النّهار مكسوراً .. 
والشّمسُ ما زالت سوداء .. 

د.ع

نُطفةٌ من نور ..



قلتُ لها :

سوفَ يُبعثُ من بينِ أحزاننا 
نبيٌّ ..
ويتنزّلُ من ضوءِ السّماءِ وحيٌ 
وكتاب .. 
فيقومُ من موتهِ 
الوطنُ .. 

أسألُ نفسي :
لمَ لا نُجيدُ قراءةَ أبجديّة الحياة ؟
ولِمَ كلُّ السنينِ ظلّت يا حبيبةُ عِجاف ؟

كلّما رَنَتْ الرّوحُ نحوَ كوكبٍ 
يأتي بقوافلِ النّور .. 
صارتْ كلُّ الكواكبِ يا حبيبةُ 
عمياء .. 

أُميِّونَ كُلُّنا إلّا الموت .. 
وحدهُ يكتبُ على صدورنا 
حتميّة الفناءْ .. 

أُمّاهُ خذيني إليكِ 
فقد فزعتْ من لياليَّ الأحلامُ .. 
استسلمت للظلام. . هذهِ الأرضُ .. 
فأضحى المقامُ شقاءْ ..

ارمدَّ الجمرُ في مواقدِ الحُبِّ 
مثلَ رأسِ رجلٍ غزاهُ الشّيبُ 
فصارَ يبحثُ عن عُكّازٍ من حنين .. 

أُمّاهُ ليتني أُسْلُمُ رأسيَ إلى 
صدركِ الرّحيم ..
وأغيب ..
أسبحُ في لُجّةِ النّور 
أقبسُ من فجّهِ 
زهرةً من نار .. 
وأعود .. أزرعُ في 
جسدِ الظّلام .. نُطفةً من نور .. 

د.عاطف الدرابسة

أحشاءُ الحُلمِ



قلتُ لها :

أدخلُ في أحشاءِ الحُلمِ 
وأختفي .. 
أتركُ ذاكرتي تتساقطُ مثلَ الدّمعِ 
خلفي ..
وأرى الشمسَ تدخلُ في مدارِ الخيانة 
مثلَ الغيوم..  
أستمعُ إلى إيقاعاتِ الموتِ 
وعزف ناي الجنون .. 

كلُّ أيامِنا غرفٌ مُغلقةٌ 
لا يدخلها ضوءٌ 
ولا تسمعُ فيها صوتَ ورقٍ 
أو أُنشودةَ قلم .. 

أُعارضُ ذاتي 
وأنثرُ آرائي حولَ الحُبِّ والموت 
الحربِ والسّلام 
الشّعرِ والرّواية 
الكتابِ والغراب 
الأُصوليّةِ والاعتدال ..

وفي آخر النّهار :
أُغيِّرُ وجهةَ الكلمات 
فتأتيني القصيدةُ 
نوراً يلعنُ الظّلام ..

د.عاطف الدرابسة

كرسي بلا أقدام ..



أيُّها الشعبُ العربي القديم :

أنا الوصيُّ عليكم .. 
وأنا النبيُّ ..
وأنا الوحي ..
وأنا الإلهُ والكتاب .. 
أنا وليُّ الأمرِ .. 
وأنا الحاجبُ والملكُ .. 
أفتحُ لكم كلَّ الأبواب .. 
وأُغلق لكم كل الأبواب ..
إن شئتُ منحتكم الحريّة .. 
وإن شئتُ جعلتكم تسكنون العذاب .. 

أنا صاحبُ المزرعةِ .. 
وراعي القُطعان ..
أجلسُ من خلفي جيادٌ .. 
ومن أمامي جيادٌ .  
ومن فوقي سحائبُ وبرقٌ .. 
وبيدي زمامُ الكلاب .. 
لي ألفُ أذنٍ .. وألفُ عينٍ ..
وألفُ ألفُ معدةٍ لا ترحم .. 
وألف نابٍ ، وفي كلِّ ناب ألفُ ناب .. 

كلَّ يومٍ يصدرُ لي كتاب .. 
كلُّ سطرٍ فيهِ كُتبَ بسوط .. 
وكلُّ علامةِ ترقيمٍ دُقّت بمطرقة .. 
في الصّفحةِ الأولى مُقدّمةٌ للموتِ .. 
وفي الصفحةِ الأخيرة كلُّ كلمةٍ سجنٌ وكلُّ سطرٍ قضبان .. 

أنا الرُّبان أقودُ السفينةَ من بحرٍ لبحر .. 
ومن لونٍ للون .. 
أُواجهُ الاعصار بالشعبِ .. 
وأواجهُ الشّعبَ بالبُسطار .. 

أيُّها الشعبُ القديم :
أنا الوحيدُ الذي يعلم ما يجري .. 
وما لا يجري .. 
وأنا الوحيدُ الذي يعلمُ ما يلزم العرب وما لا يلزم .. 

أنا لو تعلمون القائدُ الذي لا يحكم .. 
والكاتبُ الذي لا يكتبُ .. 
والمعلمُ الذي لا يُعلّمُ .. 
وأنا الخائن الذي باعَ الوطنَ بثمنٍ حقير : 
كرسيٍّ بدونِ ظهرٍ ... ودونِ أقدام

د.عاطف الدرابسة

العمر العتيق



قلتُ لها :

العمرُ يتردّمُ كبيتٍ عتيق .. 
كأنّي أُقيمُ في قبوٍ مُعتمٍ .. 
أبحثُ بينَ السّنين ..
عن صورٍ استحالت ذكريات ..
أو أشباحَ ذكريات .. 
كأنّي كومةُ حطب .. 
تُشبهُ العظم .. 

أُحاورُ أعوامي .. 
فتسخرُ منّي .. 
وتسألني عن تلكَ الدّماء .. 
التي كانت تسري في جنوني .. 
وعن رعشة القُبل التي تُصيبُ شفاهي .. 
كحُمّى ليلةِ جليد .. 

أبحثُ في ليليَ الرّهيب .. 
وأمسيَ البعيد .. 
عن ظلِّ امرأةٍ أُراقصهُ .. 
فأشعرُ بالعطشُ .. 
وأمضي أبحثُ في الأحلامِ القديمةِ عن الماء .. 
فإذا الماءُ مالحٌ كهذهِ الأرض .. 

كشحاذٍ أمسيتُ .. 
أستجدي قُبلةً من شفتينِ .. 
كأنّهما من حجرِ أو طين .. 

تعبُرُ ذاكرتي مئاتُ الأسماء .. 
ومئاتُ الوجوه .. 
ومئاتُ العيون .. 
التي تبتلعُ ما تبقّى في دمي من جنون .. 

حدّثيني أيّتها العيون عن وعودٍ تؤولُ للزّوال .. 
عن حُروبٍ تكشفُ عبثيّة الوجود .. 
عن موتِ الخُلود .. 
عن الشّكِ الذي صارَ يقين .. 
وعن اليقينِ الذي ماتَ بينَ شفتي طفلٍ صغير .. 

عقلي يهزأُ من أعوامي .. 
وما تبقّى من أيامي .. 
أتعبني الشّوقُ .. 
أتعبني الانتظارُ .. 
أيُّها الموتُ .. 
آآآآآهٍ كم أنا مُشتاقٌ لأطوي حياتي في هذا الكون .. 
فبي شوقٌ للقاءِ وجهين :
وجهِ أُمي .. 
ووجهِ الله .. 

د.عاطف الدرابسة

الزمن الأحمر



قال لها :

لا أُحبُّ أن أمشي إليكِ 
على بساطٍ أحمر ..
ولا أُحبُّ أن يُضاءَ ليليَ حين أكونُ معكِ 
بالشَّمعِ الأحمر ..
ولا أُحبُّ أن تُقدِّمي لي 
في عيدِ الحبِّ 
وردَاً أحمر ..
لا تُثيرني شفتاكِ 
باللونِ الأحمر ..
ولا يُدهِشني جسدكِ 
بالقميصِ الأحمر ..

أتعلمينَ لماذا ؟
لأنَّي يا حبيبةُ أخافُ من هذا 
الزَّمنِ الأحمر ..
وأخافُ أن أموتَ غدراً بضربةِ فأسٍ من وراءِ 
سِتارٍ أحمر ...
فيسيلُ دمي على 
البساطِ الأحمر ..
فأُقتلُ مرَّتينِ : مرَّةً بالخيانةِ 
ومرَّةً بأقدامِ عظماءِ 
اللونِ الأحمر ..

د.عاطف الدرابسة

سأمتطي ظهرَ الكلام ..



قلتُ لها : 

سأمتطي ظهرَ الكلام .. 
بيدي اليمنى حرفٌ كالسّيف .. 
وبيدي اليسرى علامةُ استفهام .. 
كأنّها منجلٌ مرميٌّ على قارعةِ هذا الوطنِ السكران .. 
تنتظرُ مواسمَ الحصاد .. 
ولا حصاد .. 
تشتاقُ إلى الحُقولِ .. 
ولا حقول .. 

سأمتطي صهوةَ الكلام .. 
وأُعلنُ الثّورةَ على كل الأرقام .. 
فمنذُ خمسينَ عام ..
وهم يسرقونَ من سمائِنا المطر .. 
ومن نوافذِنا النور .. 
ومن ضلوعِنا الفرح .. 
ومن سنابِلنا القمح .. 
ومن آثارِنا يسرقونَ التاريخ .. 

سأمتطي صهوةَ الكلام .. 
وأُعلنُ على الملأ .. 
أنَّ هذا الوطنَ أمسى بلا أنفٍ أو عيون .. 
يمشي في الفراغِ عارياً .. 
ذابلَ الجسدِ بلا أقدام .. 

سأمتطي صهوةَ الكلام .. 
لأُعلنَ للملأ : 
أنّ نقودَنا في جيوبِهم .. 
وطعامنَا في أحشائِهم .. 
وجوعَنا سورٌ لقصورِهم .. 
ودموعَنا مطرٌ يسقي حدائقهم .. 
وعُرِّي أجسادِنا ثِيابَهم .. 
وجلودَنا أحذيةٌ لأقدامهم .. 
وكآبتنَا هي الفرحُ في قلوبهم .. 

سأمتطي صهوةَ الكلام .. 
قبلَ أن أنام لأقول :
سيأتي يومٌ لا نجدُ فيهِ : 
رغيفاً لنأكل .. 
أو دفتراً لطفلٍ يرسم .. 

هامش :
ما أقسى أن يجتمعا في وطنٍ واحدٍٍ : 
الجوعُ والجهل .. !

د.عاطف الدرابسة

المطبخ الأردني ..



قلتُ لها :

المطبخُ الأردنيُّ من أغنى مطابخِ العالمِ ؛ فلدينا :

خبزٌ مشويُّ ..
خبزٌ مسلوقٌ ..
فتةُ خبزٍ بالماءِ ..
كفتة خبزٍ ..
خبزٌ كباب ..
خبزٌ محشيٌّ بالخبزِ ..
خبزٌ ملفوفٌ بالخبزِ ..
شوربةُ خبزٍ ..
خبزٌ ببروتيناتِ الصَّوامعِ ( الفئران ) ..
خبزٌ بالسُّوسِ ..
شرائحُ خبزٍ ..
خبزُ رأس عصفور ..
خبزُ ستيك ..
وخبزٌ هيك وهيك ..
وخبزُ كيك ..
وداوود باشا بالخبزِ
وداوود بيك ..

وأما الذين يعانونَ من السُّمنةِ الزائدةِ فيتوافر لهم ما يلي :

خبزٌ خالٍ من القمحِ ..
وقمحٌ رفضته دولةٌ عربيةٌ شقيقةٌ لأنه لا يطابقُ مواصفاتِها ومقاييسَها ..

لا أعرفُ يا حبيبةُ لماذا نشكو - نحنُ الأردنيين - من الطفَرِ والفقرِ وضيقِ الحالِ والفسادِ ونهبِ الأموالِ والتضخُّمِ ...

ما أغناكَ يا مطبخَ الأردنيين .. وما أشدَّ فقرنَا !

د.عاطف الدرابسة

مَن يرمِ الحجر في المياة الراكدة ؟




قلتُ لها : 

هذا الوطنُ لم يعُد يعرفُ ألوانَ علمهِ ، ولا يعرفُ اسم عاصمتهِ ، كأنّهُ مُصابٌ بفقدانِ الذاكرةِ ، أو الزهايمر ، باتت كلُّ أيّامهِ ثقيلةً كالجّبال ، وكلُّ جدرانهِ ضعيفة ، كعجوزٍ مُصابةٍ بهَشاشةٍ في العظام .

هذا الوطنُ لا يُحسن الاستماعَ إلى صرْخاتِ الجائعينَ ، ولا أنينِ المرضى ، كأنّهُ مُصابٌ بالصّمم . 

هذا الوطنُ ما دخلَ معركةً يوماً وانتصرَ فيها ؛ حاولَ أن ينتصر على الأسعار فارتفعت بسرعةِ صاروخٍ عابرٍ للقارات ، حاولَ أن ينتصرَ على البِطالة ، فتعطّلت كلُّ أجهزتهِ الحكومية عن العمل ، حتّى أنَّ أجهزةِ مرضى الكُلى في المستشفيات لا تعمل . 

وحاولَ أن ينتصرَ على الأُميّة ليمحوها فازدادَ جهلاً ، وبتُّ أخشى عليهِ أن يُمحى هو عن خارطة العالم ، ويُعادُ إنتاجهُ من جديد كما تُعيدُ لنا قوى الاستعمارِ إنتاجَ شرقٍ جديد . 

هذا الوطن تنتظرهُ معاركُ كُبرى ، لا يعرفُ كيفَ يخوضُ غمارها ، هل استعدَّ لمعركةِ الخُبزِ أو الماءِ أو التعليمِ أو الحريّةِ أو داعشَ ، أو معركةِ الانتخاباتِ النيابيّةِ ، أو معركةِ حكومةٍ تنتمي إلى أهلها ؟

هذا الوطنُ باتَ يصغُرُ في عيونِ أهلهِ ، وباتَ كجرحٍ قد التأمَ على خُبثٍ ، فازدادَ ورماً . 

لا أعرف متى يسعى هذا الوطن إلى استعادةِ ذاكرتهِ وهُويّتهِ وأبنائهِ الشرعيين ، ونجومهِ المُبعثرةِ في كلِّ مكان . 

منذُ زمنٍ طويل لم أرَ ابتسامةً متفائلةً في وجوهِ أبنائهِ ، ولم أسمع تغريدةَ طيرٍ في آفاقِ صباحاته . 

ومنذُ زمنٍ بعيد لم أرَ مياهاً تجري في عروقِ أرضكَ ، فكلُّ المياهِ يا وطني باتت راكدةً تنتظرُ من يرمي الحجر .

د.عاطف الدرابسة

للبالغين فقط ..




قلتُ لها : 

تغيّرَ وطني كثيراً .. 
لم يعد كائناً طبيعيّاً .. 
كأنّهُ امرأةٌ لا تشبه النساء 
طارئة على الأنوثة
إعلاميّةٌ .. 
أو عارضةُ أزياءٍ .. 
أو مُطربةٌ .. 
أصدقُ شيءٍ فيها ..
مشاعرُها الباردة .. 
وحينَ تُسرِّحينَ البصرَ فيها .. 
ترينها على غير ما خلق الله .. 
فخصائلُ شعرها استعارةٌ مكنيّة .. 
ورموشُ عينيها سنابلُ قمحٍ حورانيّة ..
وخدُّها كأنّهُ شاشةُ هاتفٍ محمولٍ .. 
من فصيلة الهوى ..
وي .. 
أو سام ..
سو .. 
نج ..
أو كشاشة الآي .. فن .. 
وشفتاها تغصُّ بالكلماتِ المُتقاطعة .. 
والخُطبِ الفارغة .. 
وجسدها منحوتٌ من رُخامٍ بحري .. 
كأنّهُ مسبحٌ في فندقٍ من ألفِ نجمة ..
يتحدثُّ لُغةً طائفيّة .. 
إذا ما ظهرَ في وسط البلد .. 
اهتزَّ وسط البلد .. 
كراقصةٍ شرقيّة .. 
ونهداها كأنّهما بطيختانِ صحراويّتان ..
يرتجفان كما يرتجفُ .. 
ظلُّ جناحِ فراشةٍ على جدارٍ ..
مُصابٍ بأمراضِ الشيخوخة .. 

تغيّرَ كلُّ شيءٍ فيكَ يا وطني .. 
لم يعُد لونكَ لوني .. 
ولم تعُد كرامتكَ تُشبهُ كرامتنا .. 
فهي خاليةٌ من الشُّموخِ والكبرياء .. 
ولم يعُد جبينُكَ يُلامسُ الشّمسَ .. 
ويغفو على صدر القمر .. 
ويغتسلُ بعطرِ الصّبرِ والإيمان .. 

تغيّرتَ يا وطني كثيراً .. 
صرتَ جائعاً مثلي .. 
فقيراً مثلي .. 
تائهاً مثلي .. 
عصبيّاً مثلي .. 
كاذباً مثلي .. 
حينَ أُغازلُ امرأةً في قصيدة .. 

تغيّرتَ يا وطني كثيراً .. 
صرتَ سجناً بعدَ أن كُنتَ معبداً .. 
صرتَ حُفرةً بعد أن كنتَ جبلاً .. 
صرتَ جلّاداً يحملُ سوطاً .. 
ويجلدُ ظهري .. 
صرتَ سيّافاً يروحُ ويغدو على رأسي ..
هل نسيت كم حملناكَ يا وطني ..
على الرّأسِ .. 
وكم .. 
كم .. 
كم .. 
حملناكَ على الظهرِ ؟

هامش : الشعبُ مُصاب بالدسك في الفقرة الأولى والفقرة الأخيرة .. 
ومصاب بالتّقوُّس ( الانحناء ) .. 

د.عاطف الدرابسة

دورةُ الأحزان ..




قلتُ لها :

أنا في دورةِ أحزاني ..
تُحاصرُني الخطايا 
كأنَّها الحكايا ..
حين كانت تُفرِحنا الحكايا

أخشى أن تتركني وحيداً ..
وتتبعَ ظِلِّي
وأمضي جسداً 
بلا مكانٍ ولا زمان
كلُّ الأمكنةِ خائنة
وكلُّ الأزمنةِ خارجَ الوقت

أبحثُ عن ملامحِ طفولتي
في ظِلالِ شيخوختي 
فأفقدُ ما تبقَّى من عمري
ذليلاً ..
كأنَّني صحراءُ خاليةٌ 
إلا من أشواكِ الخيانة ...

كلُّ الوجوهُ تماثيلُ صامتة ..
تعرفُ الحقيقة
ولا تقولُ الحقيقة
تخافُ أن تخاف
كأنَّها في حالةِ رُقاد
أو كأنَّها أسيرةٌ 
من غيرِ حربٍ
أو عِراك ..
نأى بها الطَّريق
فضلَّت الطَّريق
واستفاقت في كهفٍ مهجور
يحرُسُهُ كلب 
لا يُشبهُ الكلاب
عيناهُ بلونِ البَحر
وشعرُهُ بلونِ قمحِ بلادي
قُبيلَ الحَصاد 
فُتِّحت له أبوابُ الشرق
تنزَّلت عليه قطراتُ الذَّهب
تفجَّرت الأرضُ 
بينَ يديهِ ذهب 
وحينَ الرّحيل 
تركَ الشرّق قابلاً للموتِ والانتحار 
والقُصورَ قبوراً 
والصحراءَ مدافنَ للفناء 

سئمتُكَ أيُّها الشّرق الذي تحترقُ 
كامرأةٍ تنهار  
سأبحثُ عن مكانٍ معزول
لا تزورهُ الغُيومُ الحزينة 
ولا يسكنهُ القطيعُ والعبيد 

أُمّاهُ 
أخرجي يديكِ من نومكِ العميق 
وضمّيني كالأطفال 
فقد سئمتُ هذهِ الأرضَ 
وهذا الذُّل المُتناسلَ فينا 
كالبعوض 
وهذا الخوفَ الذي يُقيمُ في الصّدور 
كأنّهُ جسورٌ لا تصلحُ للعُبور 

أُمّاهُ 
دعيني أغفو بينَ رمادِ جسدكِ 
لأستيقظَ كالفينيق 
أحملُ بيدٍ ناراً 
وبيدٍ أحملُ وردةً حمراء 
لعلّني أُعيدُ الشّمسَ للشّرقِ الحزين 
وأطردُ من العيونِ الحزينةِ الدُّموع 
وأُعيدُ للعصافيرِ الغناء 

د.عاطف الدرابسة

الصمت ...




قالت له :

حينَ أُصغي إلى صمتكَ
يهدرُ في صدركَ
أجهشُ بالبكاء ..

ليتَهم يا حبيبي يعلمونَ 
تلكَ الأشياءَ 
التي تقيمُ في صمتكَ
وتختبىءُ مثلَ الأطفالِ 
وراءَ الكلمات
عالماً آخرَ ..
فيه كلُّ شيءٍ 
إلا البَشر ..
صمتكَ كتابٌ من آلاف الأجزاء
كلُّ جزءٍ كونٌ قائمٌ بذاته ..
نصفُهُ بحرٌ 
والنِّصفُ الآخرُ غابات ...

هناك ...
في أعماقِ البحرِ 
تتصارعُ المعاني
أو تتصالحُ الكلماتُ والأشياء

وهناك ...
في كلِّ غابةٍ
مملكةٌ ودولةٌ وسُلطان
وفي مواسمِ الخِصبِ والولادة
تتكاثرُ المعاني
كأنَّها الخلايا

هناك ...
نحتاجُ إلى آلافِ فِرقِ البحثِ والتفتيش
فِرقٌ تغوصُ في أعماقِ البِحار
تبحثُ عن معانٍ 
بلونِ السَّمك
بسلوكِ السَّمك
صفراء
أو حمراء
أو سوداءُ يخالطها البياض
أو معانٍ 
لها ألف ألف ذراع
كأنها أخطبوطٌ عظيم

وهناك ..
معانٍ بحجمِ الحيتانِ الزرقاء
صوتُها واحدٌ
يبدأُ من أولِّ شطٍّ للبحر
وينتهي عندَ آخرِ العُمر ...

تنتشرُ المعاني في الغابات
كالجَراد ..
تنفصلُ عن الكلمات
فتموتُ في داخلي
كلُّ المعاني القديمة
وتحترقُ آخرُ الأعشاب ..

النَّارُ التي تسري في جسدي يا حبيبةُ
بارِدة ..
والرُّوحُ تغصُّ بالكلمات ..
أبحثُ عن الماء 
في أقصى الوديان
كامرأةٍ حُكِمَ عليها بالنَّفي
فأعادت للمكانِ الحياة

لا تحفري عميقاً في صمتي
أخافُ أن تطلعَ لكِ الحقيقةُ كأفعى
ترقصُ على أنغامِ النَّاي
سألتُهم منذُ زمنٍ بعيد
عن الحقيقةِ الضائعة
بينَ رُكامِ الأزمنة
فأجابوني مُستَلقِين 
انظر إلى السَّماء
فالحقيقةُ غامضةٌ غموضَ الشَّمسِ
في أوَّلِ النَّهار ..

د.عاطف الدرابسة

الولادةُ الأخيرة ..




قلتُ لها :

تقتلني تلكَ اللحظاتُ 
التي أُودِّعُ فيها الشتاء
ألوذُ إلى المنفى العتيق :
صمتي وعينيكِ

تقتلني تلكَ اللحظاتُ
التي يزحفُ فيها إليَّ المساء
فتتأججُ في خاطري الأحزان

وأسمعُ خُطى الموت
تقتربُ نحوي باشتهاء
تأخذني إلى بحرٍ بلا شطآن
وأنا الذي أغرقُ في كأسِ ماء

أمُّد يدي الضامرةَ
من بينِ الأمواج
فتحجبُها لُججُ الظَّلام
وأغيييبُ ..
ثم أغيب ..
ثم أغيييب ..
في الأعماق
غيبةَ الأنبياء ..

أنتظرُ هناك 
كما تنتظرُ أشجارُ الخرِّيفِ
قطراتِ الماء
كما ينتظرُ الأطفالُ
يومَ العيد
أنتظرُ ..
ثم أنتظر ..
ثم أنتظر ..
ذاااكَ القادمَ من بعيدِ البعيد
يحملُ شعلةَ نار
وحفنةَ تراب
يقفُ أمامَ الجسدِ الهامدِ ؛
الأرضِ القفراء
ينثرُ الرَّماد
فتصرخُ الأرضُ
صرخةَ الولادة الجديدة :
ألف ..
لام ..
ماااء ..

د.عاطف الدرابسة

آخر ابتسامة ..




قلتُ لها :

تعبَت قدماي قُبيلَ الغروبِ
وبرَدَ الجسد ..
أرى الموتَ يحملني بين يديهِ
مثلَ حقائبِ السَّفر ..

ودَّعتُ كلَّ المدنِ الغارقةِ 
مثلَ السُّفن ..
حين تتكسَّرُ المجاديفُ
وتتمزَّقُ الأشرعةُ
ويعصفُ بها الموجُ 
وتسكنُ في أعماقِ البحرِ 
إلى الأبد ..

سأُودِّعُ كلَّ الأرصفةِ
وكلَّ الحقولِ
وكلَّ السهولِ
وكلَّ الفصولِ 
التي تروي حكايا الكادحين ..
حين يذوي 
في عيونِهم 
آخرُ غُصنٍ في الوطن ..

سأُعطي ما تبقَّى 
من آخرِ ابتسامةٍ
لآخرِ طفلٍ
يلهو ساعةَ الأصيلِ
في الطرقاتِ الخاويةِ ..
وفي عينيهِ
دموعٌ عتيقةٌ
تشهدُ بالألم ..

سأبحثُ هناك ..
عن مَرقدٍ
بينَ الأموات
له سبعُ نوافذَ
وسبعةُ أبوابٍ
وقوسان :
قوسٌ للحريَّةِ
وقوسٌ للنَّصرِ
وحوله نخلتان :
واحدةٌ للعراقِ
وواحدةٌ للشآم
وأمامه من نحوِ الجنوبِ 
بركةُ ماء .. 
يساورها شجرُ الرُّمان
يصرخُ كطيرِ حمام
يبكي ما تبقَّى من عدنٍ
ومن صنعاء ..

د.عاطف الدرابسة

قواعد الإملاء ..




قلتُ لها :

بعضٌ من أحزاني تسري في عروقِ الحجر .. 
فيبكي من وجعِ الحزنِ الحجر .. 

تخبو الأماني مثلَ أحلامِ رجلٍ محكومٍ بالاعدام .. 
أو مثلَ وطنٍ تحرقهُ الخياناتُ .. 
ويُباعُ للغريبِ .. 
كما تبيعُ امرأةٌ جسدها لليلِ والرّصيف ..

حينَ ينطفئ النّورُ في عيونِ الوطن .. 
وينبتُ الرّبيعُ في منتصفِ آذار .. 
بلونٍ أصفر .. 
فاعلمي يا حبيبةُ أن الزّيتَ فاسد .. 

أمدُّ إليهم حبلَ الرّجاء .. 
وأتضرّعُ بالدُّعاء ..
فيقطعونَ حبلَ الرّجاءِ .. 
ويحجبونَ الهواء عن الدُّعاء .. 
فيموتُ في الأُفقِ الدعاء ..

سأحُكُّ الحرفَ بالحرفِ .. 
لينبثقَ من رحمِ الكلم الشّرر .. 
فيزحفُ الضوءُ نحوَ الشرقِ .. 
وتشرعُ الأرضُ بالدّوران .. 
ويعودُ الوقتُ للزّمن المقهور .. 
ويهطلُ المطر .. 
ليُعيدَ النُّقاطَ للحروف .. 
ويعود ذاك الخليفةُ المخلوع .. 
إلى عرشِ الماءِ  ..
يذُبُّ عن الترابِ غبارَ الموت ..

يا حبيبةُ حينَ أكونُ خارجَ الموج .. 
أجهلُ كيفَ يثورُ البحرُ .. 
وحينَ أكونُ خارجَ القمر .. 
لا أقرأُ ما يكتبهُ على الرّمالِ المدُّ .. 
وحينَ أكونُ خارجَ الشمس ..
لا أعرفُ كيفَ تتفتّحُ الزُّهورُ .. 
ويبتسمُ في وجهِ الأرضِ الرّبيع .. 

اعذريني يا حبيبةُ .. 
ان أخطأتُ في قواعدِ الإملاءِ .. 
ما زلتُ إلى الآن منذُ الصّفِ السادسِ الابتدائي أجهلُ : 
قواعدَ الهمزِ .. 
وقواعدَ الغمزِ .. 
وقواعدَ الرّمزِ .. 
وأجهلُ الف البكاء.. 
وأجهلُ كيفَ يكتبونَ الألفَ الممدودةَ والألفَ المقصورة .. 
فمنذُ أن وُلدتُ في الشّرقِ ويدي كالمُتسوِّلينَ ممدودة .. 
وكالجُبناءِ مقصورة .. 
وألفي ما كانت يوماً أصيلةٌ .. 
فهي مُنقلبةٌ مثلَ وجوهِ الشيوخِ والحُكّامِ والملوكِ والأمراء..  
إمّا عن واوٍ وإمّا عن ياءٍ .. 

آآآآهٍ يا حبيبةُ .. 
ليتكَ تُعيدينَ لي صدر أُمّي .. 
فكم .. كم أنا محتاجٌ في هذا الزّمن المجنون إلى البُكاء ..

د.عاطف الدرابسة

حُلمٌ في خريفِ اللَّيلِ ...





قلتُ لها : 

أوَّلُ الحُلم ..

أتوسَّلُ إلى الأرض
ِالتي تحملُ 
بذرةَ الجسد 
إن ترأفَ بي 
قبلَ أن تأفلَ
آخرُ نجمةٍ
من أُفقِ العمر ..

أحاولُ أن أخرجَ من التاريخِ
كقائدٍ مُنتصرٍ 
على أحلامِ الأطفالِ ..
كشاعرٍ مُنحرِفٍ
عن قواعدِ الوزنِ
والقافيةِ
والرَويّ ..
كنبيٍّ 
قُدَّ قميصُهُ الوحيدُ
بأظافرِ الرَّغبة
آلَ إلى السِّجنِ حُرَّاً
يقرأُ الرؤى
حينَ يغيبُ العقلُ ..
ويُوقدُ جمرَ المعنى
الليلُ
فإذا السنابلُ تكتبُ
على وجوهِ أرغفةِ الفقراءِ :
كلُّ السنينِ عِجاف

آخرُ الحُلُم ..

يدٌ واحدةٌ
تصفِّقُ 
بلا أصابع
ولسانٌ مقطوعٌ
يخطبُ بالجَمعِ الغفيرِ
قُبَيلَ الرحيل :
"عَلَمٌ واحدٌ لا يكفي العراق" 
"عَلَمٌ واحدٌ لا يكفي صنعاء"
"عَلَمٌ واحدٌ لا يكفي الشآم"
"إلهٌ واحدٌ لا يكفي العرب"

والوطنُ الكبيرُ
نائمٌ بالكهفِ 
العتيق ..
والسرُّ 
سفينةٌ مثقوبةٌ
وجدار ..

المدنُ 
مزدحمةٌ بالفراغ
تواجه أقسى العواصفِ
بخيمة ..
تُحاربُ وحوشَ الظلامِ
بشمعة ..
تحاصرُ الجوعَ الكبيرِ 
بابتسامةِ جُرحٍ
ودمعة ..

د.عاطف الدرابسة

لونُ الوقت ..




قلتُ لها :

لم أَعُد أعرفُ لونَ الوقت .. 
ولا أعرفُ ماذا يقولُ الشّجرُ لنافذتي .. 
أُحاولُ أن أتسلّقَ الكلام .. 
كما يتسلّقُ المُغامرونَ الجبال .. 
أو كالطُّغاةِ حينَ يسرقونَ الفُقراء ..

وعدتُكِ أن لا أعودَ إلى عينيكِ .. 
كما يعودُ الحزنُ إلى العيون ..
أو كما يعودُ إلى العقولِ الجُنون .. 
فيتكاثرُ فينا كما تتكاثرُ الخلايا .. 
ألفُ إله ..
وألفُ نبيّ .. 
وألفُ كتاب .. 

هذا الوطنُ المُمتدُّ من المُحيطِ إلى الخليج .. 
ومنَ الأرضِ إلى السّماء .. 
سجنٌ كبيرٌ ..
كلُّ زنزانةٍ فيهِ مطليّةٌ بطلاءٍ أسود .. 
إلّا واحدةٌ مطليّةٌ باللون الرمادي ..

هذا الوطنُ المُمتدُّ من اليسارِ إلى اليمين .. 
ومن المُعتزلةِ إلى داعش .. 
ساحةُ حربٍ وخيانات .. 
يدخلُ طقوسَ النّار بكأسِ خمرٍ وراقصةٍ وبرميلِ نفطٍ وسجادةِ صلاة  ..

أيُّها المجهولُ الذي يبيعُ الأعرابَ أوطانهم .. 
لن تسرقَ الضّوءَ من أقصى أبجديتي ..
ولن تُغيَّرَ وجهَ الله في ذاكرتي ..

د.عاطف الدرابسة

أحلامٌ مُعلَّقةٌ ..



قلتُ لها :

هل تجمعُنا الأحلام
في ليلةٍ
لا قمرَ فيها 
إلَّا وجهكِ
نخيطُ للآمالِ
ثوباً من يَاسمينِ الشامِ
ونخيلِ العراق ...

هل تجمعُنا الأحلام
قبلَ أن يذبلَ 
في الرُّوحِ
العمر
كما يذبلُ زهرُ الليمونِ
في أوَّلِ نيسان ...

تعالي نلتقي ...
قبلَ أن يهدأَ الموجُ 
في العيون
قبلَ أن يموتَ 
في الخيالِ
الجنون
قبلَ أن ينتحرَ 
في الفمِ المكتومِ
الجواب
قبلَ أن ندخلَ
أزمنةَ 
السَّراب ...

تعالي ...
تجمعُنا الأحلام
قبلَ أن تنهشَ العمرَ
أنيابُ الأيام
قبلَ أن ينامَ
في قرارةِ الرُّوحِ
السؤال ...

تعالي ...
تجمعُنا الأحلام
قبلَ أن تسكتَ الشَّمسُ 
عن الكلام
قبلَ أن يُخرِسَ الغروبُ
أوَّلَ النَّهار ...

تعالي ..
تجمعُنا الأحلام
قبلَ أن يصدرَ القرار
وتقصِفُ المدنَ التائهةَ
مدافعُ الحُلفاء ...

تعالي ..
ننثرُ حبَنا 
تراباً
زهراً
على آخرِ الدِّماء
قبلَ أن يتسلَّلَ 
إلى عروقِ الحُلمِ
الوباء 
قبلَ أن تدهَمَنا 
أفكارُ الماضي
البعيد
وترقصَ
على أنغامِ أوجاعِنا
جحافلُ الغيوم
فيندحرَ 
في مُنتصفِ الحُلمِ
العمرُ الجديد ...

تعالي
نركضُ بينَ الأشجارِ
كطفلينِ
نركبُ موجَ الخيالِ
كشاعرٍ خارجَ العقل
كبيتين :
الأوَّلُ آخرُهُ 
حاء ...
والآخَرُ آخرُهُ 
باء ...
ونغيبُ عندَ
الرَويِّ
حتى الارتواء ...

تعالي ...
أُعانقكِ عناقَ العائدينَ
من وراءِ القُضبان
من مُدنِ الخوفِ 
والسكوت
من أعماقِ
أنقاضِ البيوت ...

تعالي ...
قبلَ آخرِ قنبلة
قبلَ آخرِ طائرة
تحملُ على جناحيها
قُبلَ الموت
نرفعُ أحلامنا
من تحتِ السُّقوفِ المُهدَّمَةِ
ونمضي
مثلَ السَّحاب
نسألُ السفرَ
عن وجعِ الغِياب
نزرعُ هناكَ 
شجرتينِ :
واحدةً
من أرضِ الشام
وواحدةً
من أرض  العراق
وحين يأفلُ العمرُ
ويحينُ موعدُ الرَّحيلِ
نوصي آخرَ الأحفاد
أن يضمَّنَا قبران :
واحدٌ يستظلُّ بشجرةِ العِراقِ
وواحدٌ يستظلُّ بشجرةِ الشام 

د.عاطف الدرابسة

السبت، 11 فبراير 2017

سيمياء العلم الأمريكي


أحبّتي أرجو قراءة هذا النّص بحضور الأطفال !

أمريكا : الوجه المُحتجب 

سيمياءُ العلم الأمريكي .. 
اللوحةُ الزرقاء مقبرةُ النُّجوم .. 
كلَّ يومٍ تموتُ نجمة 
والسّماءُ تلبسُ ثوبَ الفسادِ كعاهرة .. 
وهذا المطرُ الذي يتنزّلُ على الأرضِ .. 
والأنهارِ والبحارِ مُصابٌ بالسُّعال لا يحملُ إلّا الوباء .. 

الخطوطُ الحمراء : 
العددُ سبعة وأيامُنا من السّبت إلى الجمعة سبعة .. 
في كلِّ شبرٍ من أرضنا بحيرةُ دمٍ .. 
وفي كلِّ بحيرةٍ إصبعٌ لطفلٍ .. 
وعينٌ لعذراء .. 
وقدمٌ لشابٍ في أوّلِ العُمر .. 
وجنينٌ لعروسٍ في أوّلِ حملها .. 
وأشلاءٌ لمزارع .. 
وأطرافٌ لتاجر .. 
ورأسٌ لعامل .. 
وقلبٌ لطالبٍ جامعيٍّ في سنتهِ الأولى .. 

الخطوطُ البيضاء :
والعددُ ستة .. 
وكلُّ خطٍّ مُحاصرٌ بينَ خطّينِ بلونِ الدّمِ .. 
كأنّها الكفن لأوطانٍ تموتُ مثلما تموتُ في الشّرقِ الأنهار .. 

ترامب : 
خليفةُ العصرِ .. 
وأميرُ الزّمان .. 
كأنّهُ كتاب .. 
يطوي بينَ صفحاتهِ تاريخَ أمريكا .. 
من الألفِ إلى الياء .. 

اليابان :
مقبرةُ النّفايات الذّريّة .. 
أرضُها عادت بيضاء .. 
ما زالت منذُ ذلكَ الحين تحت رعاية الزّلازلِ والبراكين .. 

فيتنام : 
مقبرةُ الملايين .. 
ودولةُ الأيتام .. 
ومختبرٌ طبيعيٌّ لوحشيّة السّلاح .. 

العراق :
مقبرةُ النّفايات النوويّة .. 
ودولةُ الطوائفِ والأراملِ .. 
وذوي الاحتياجات الخاصة .. 
والديموقراطيّةِ المُصابةِ بجنونِ الثيران ..

ليبيا :
دولةُ القنابلِ والبنادقِ .. 
والمجدِ الكاذبِ .. 
ومأوى مرضى الإيدز والطّاعون والكوليرا .. 
والخيانةِ والأمواجِ التي لا تنزفُ إلّا دماً .. 

سوريا :
مُلتقى عالمِ الإرهابِ والرشوةِ والاحتيالِ وعصاباتِ النفطِ والمخدّرات .. 
وملتقى الفئرانِ والجرذانِ والوحوشِ المفترسةِ والأمراضِ المُعديةِ والأديانِ المُزيّفةِ وثورةِ الخائنينَ والمُهجّرينَ .. 

واشنطن : 
عاصمةُ الشّرِ والشّواذِ والأمراضِ والإرهابِ والعصاباتِ المُنظّمة والجرائمِ المُمنهجة .. 
واشنطن بألفِ وجهٍ ووجه .. 
مرّةً ترتدي وجه داعش .. 
ومرّةً ترتدي وجهَ القاعدة .. 
ومرّةً ترتدي وجهَ تاجرِ سلاحٍ جشع .. 
يبيعُ الموت للشّرق .. 

ماذا تبقّى من اليمن ؟
ماذا تبقّى من تدمر ؟
ماذا تبقّى من بابلَ وآشور ونينوى ؟

نيويورك :
إمارةُ التفكيك .. 
ومنبعُ نظريّة الحداثة وما بعد الحداثة .. 
وعرّابُ العولمةِ والهدمِ وإعادةِ البناء .. 
واغتيالِ الهُوية ومقبرة القيم .. 
وصاحبةُ مشروع الفوضى العاهرة ..
وإعادةُ عصرِ ملوكِ الطّوائفِ .. 
وإنتاجُ شرقٍ جديد بلا قرار .. 
ولا قرارَ إلّا لاسرائيل .. 

ماتَ الشّرق .. 
عاشت أمريكا .. 
عاشت اسرائيل .. 

د.ع

مَن سرقَ طُهرَ الأرضِ ؟



يسألني المطرُ النَّازلُ على الأرضِ :

لِمَ صارت هذه الأرضُ غريبةً عنَّي ؟
كأنَّي ما عرفتُها منذ بدءِ الخليقةِ ..
كانت عذراءَ ..
طاهرةً ..
تتعزَّلُ بها كلُّ آلهةِ السَّماء ...

كانت كالعروسِ ...
تتزيَّنُ لكلِّ الفصول ..
كانت مثلَ امرأةٍ ولود ..

كانت تحتضنُ نُطَفِي ..
كلَّ شتاء ..
وتدور ..
ويتعاقبُ عليها الليلُ والنٌَهار .. 
تحرسها الشمسُ ..
كأنها ملكةٌ ..
تجلسُ على عرشِ الكونِ ..
وعينُ السماءِ تهبها النور ..
وكتائبُ الغيومِ جنودٌ
تحرسُها من عينِ النِّجومِ ..
فتبكي النُّجومُ ..

كان ترابُها وطينُها المجبولُ بمائي أصلَ الحياةِ ..
ألستم من طينِها ؟
من ترابِها ؟
ألستم أنتم هي .. وهي أنتم ؟
هل يحرقُ الشيءُ نفسَه ؟

مالذي غيَّرَ وجهَ الأرضِ ؟
من سرقَ طُهرَها ؟
من نهبَ خصبَها ؟
من يبَّس زرعَها ؟
من جفَّفَ ضرعَها ؟
من اغتصبَ عِرضَها ؟
من لوَّثَ شرفَها ؟

هل ما زالت طاهرةً
كعذراءِ المسيحِ ؟
كي تأوي إليها أجسادُكم
بعد أن ترتقي الروحُ ؟

د.ع

قلقُ الوجودِ ..



قلتُ لها :

العمرُ يتردّمُ كبيتٍ عتيق ..
كأنّي أُقيمُ في قبوٍ مُعتمٍ ..
أبحثُ بينَ السّنين ..
عن صورٍ استحالت ذكريات ..
أو أشباحَ ذكريات ..
كأنّي كومةُ حطب ..
تُشبهُ العظم ..

أُحاورُ أعوامي ..
فتسخرُ منّي ..
وتسألني عن تلكَ الدّماء ..
التي كانت تسري في جنوني ..
وعن رعشة القُبل التي تُصيبُ شفاهي ..
كحُمّى ليلةِ جليد ..

أبحثُ في ليليَ الرّهيب ..
وأمسيَ البعيد ..
عن ظلِّ امرأةٍ أُراقصهُ ..
فأشعرُ بالعطشُ ..
وأمضي أبحثُ في الأحلامِ القديمةِ عن الماء ..
فإذا الماءُ مالحٌ كهذهِ الأرض ..

كشحاذٍ أمسيتُ ..
أستجدي قُبلةً من شفتينِ ..
كأنّهما من حجرِ أو طين ..

تعبُرُ ذاكرتي مئاتُ الأسماء ..
ومئاتُ الوجوه ..
ومئاتُ العيون ..
التي تبتلعُ ما تبقّى في دمي من جنون ..

حدّثيني أيّتها العيون عن وعودٍ تؤولُ للزّوال ..
عن حُروبٍ تكشفُ عبثيّة الوجود ..
عن موتِ الخُلود ..
عن الشّكِ الذي صارَ يقين ..
وعن اليقينِ الذي ماتَ بينَ شفتي طفلٍ صغير ..

عقلي يهزأُ من أعوامي ..
وما تبقّى من أيامي ..
أتعبني الشّوقُ ..
أتعبني الانتظارُ ..
أيُّها الموتُ ..
آآآآآهٍ كم أنا مُشتاقٌ لأطوي حياتي في هذا الكون ..
فبي شوقٌ للقاءِ وجهين :
وجهِ أُمي ..
ووجهِ الله ..

د.ع

السبت، 21 يناير 2017

كلُّ الينابيعِ عطشى !




قلتُ لها : 

تأمّلي هذه الأرض ؛ كيفَ تشربُ الدّمَ ، وكيف تشربُ المطر ، وكيف تبلعُ أجسادنا وأشلاءَنا ، ثُمَّ تُعيدُ إنتاجنا ربيعاً ، وأشجاراً تُسافرُ في الفضاء . 

هذا الرّبيعُ يحملُ جراحَنا وأحزانَنا وأوجاعَنا وفقرنا وفسادَنا وأحلامَنا التي تشتّت على الدّروب : 

الجوعُ في وطني يقتلهُ الجّوع ..
الشّمسُ تُشرقُ في الظّلام .. 
والصّباح تأخّرَ كثيراً .. 
والفراغُ يلدُ الفراغ .. 
والرّيحُ ثورٌ هائجٌ تقتاتُ من جوعِ جوعِنا .. 
كيفَ نعيشُ ؟
ونحنُ ننتظرُ غداً يُقيمُ في الماضي العتيق ..

ينكسرُ النّهار كما ينكسرُ ظهرُ الفرس ، أو كما تنكسرُ خُطى الحروفِ لحظةَ حوارٍ مجنون :
أُبحرُ إلى آخر الأسئلة .. 
إلى أقسى الأسئلة : 

من سرقَ النّومَ من عُيون الحُلم ؟
ومن أوقدَ شجرةَ النّار ؟
وأيقظَ في قلوبنا الجنون ؟

كلُّ الينابيعِ في أرضي عطشى .. 
صوتٌ من القرنِ الهجريِّ الثامنِ ..
يسألني في أوّلِ الحُلم : 

ما لي أراكَ تُقدِّمُ عقلاً وتؤخِرُ عقلاً .. 
هل بقيَ شيءٌ صالحٌ للنّهبِ في وطنكَ ؟
أو هل بقي شيءٌ صالحٌ للفساد بعدَ الآن ؟
ما أقذر الكلمات حينَ تتوسّلُ خليفةَ الخُلفاء ..
حينَ تنحني لأحذية الأمراء .. 

أخرُ صرخةٍ ..
وآخر نداء :
ماتَ الوطن .. 
وعاشَ خليفةُ الخُلفاء .. 

د.ع

الفجرُ النازف !




قلتُ لها : 

يشربنَ نخبَ خافقي دماً .. 
ويطُفْنَ حولَ جسدي الملفوفِ .. 
بأكفانِ الخريفِ العابقِ .. 
بمسكِ النّارِ ..
المُضمّخِ بالحنّاءِ .. 
المُكحّلِ بالأخضرِ كعيونِ عذراء .. 

أيُّها الجسدُ المُسجّى .. على رُبى القرى المنكوبةِ .. 
كملاك
 يرقبُ الفجرَ النّازف .. 
من مدائنِ الموتِ والجّهلِ .. 

حَلِّق في المعالي .. فمأواكَ السّماءُ. 
اخفض جناحيكَ .. أُلجم صهيلَ الأعاصير .. 
واكْبَح رياحَ الوساوسِ التي تمورُ في الصّدور .. 

يا ابنَ النّارِ .. 
هذي بلادي حقولُها مبذورةٌ بالحُمقِ .. 
بالجهلِ .. بالضلال .. 
تطرحُ كلَّ يومٍ قتلى وأراملَ .. 
وأطفالاً يقرؤونَ حروفاً سقتها الدّماء .. 
ويرسمونَ أزمنةً حمراء .. 
ورجالاً على صورةِ غُراب .. 
وعيوناً عمياء .. 
وأكواخَ عذاب .. 
وشمساً سوداء 
تُشرقُ من موانئِ اليأسِ
 ترقبُ أوطاناً صارت أطلالْ .. 

د.ع

أنقاضٌ ورماد !




قلتُ لها : 

أمشي بقدمٍ حافٍ .. 
أمشي بظهرٍ عارٍ .. 
والعيونُ المريضةُ تتبعُني .. 
كالقطيع .. 
يحفرُ الزّمانُ في داخلي الأنفاق .. 
ويبني الحُصون .. 

جسدي مملكةٌ للذئابِ والثّعالبِ والفئران .. 
وأرضيَ الصّماءُ مرتعٌ للكلاب .. 
خاليةٌ إلّا من عويلٍ أو عواء .. 
وبعضُ أصواتٍ تهذي بثوراتٍ .. 
تشوّهُ وجهَ العالم ِوالإنسان .. 

أيُّها الرأسُ الغارقُ بالجّحيمِ والرّمال .. 
أتعبكَ النّداء .. 
أينَ تمضي ؟ 
وراءَ نداءِ المالِ أم وراءَ نداء الله ؟
هذهِ الأرضُ تبتلعُكَ كأفعى .. 
كصحراءٍ .. 
كرمالٍ .. 
تتلوّى من ألمِ الرّياح .. 

أيُّها الوطنُ المشطورُ نصفين .. 
أنقاضٍ .. ورماد .. 
أسمعُ نحيبَ البلابلِ والعصافير .. 
وأصواتاً تتوسّلُ إلى الله .. 
ترجو الخلاصَ من أزمنةِ الجفاف .. 
من المتاهات .. من الغزواتِ .. 
من أسرارٍ تخبّئها النّزوات ..
من مخالبِ الجنون .. 
من كلِّ الأسماءِ المُستعارةِ .. 
من وُحوشٍ جائعةٍ .. 
من طُغاةٍ تحسبُهم أنبياء .. 

د.ع