الأحد، 1 أكتوبر 2017

إنَّهم يقيمونَ في جهازِ المناعة ..




قلتُ لها :

ما أقسى أن يشعرَ الإنسانُ بالخجلِ لا من وطنهِ الكبيرِ بل من القائمينَ على إدارةِ شؤونهِ ، ومقدَّراتهِ ، ويتصرّفونَ في أسبابِ عيشِ المواطنين ، ولعلَّني لا أُبالغُ إذا ما شعرتُ بالخجلِ والحرجِ من سلوكهم ، وسوءِ أفعالهم التي لا تُقنعُ طفلاً أو مراهقاً أو امرأةً أو عجوزاً ، كم هو محزنٌ أن تشعرَ في وطنكَ بأنَّكَ مسلوبُ الإرادةِ لا قدرةَ لكَ على اتخاذِ قرارٍ أو صناعةِ قرارٍ أو الإسهامِ في صناعةِ القرارِ ، وكم هو الحزنُ شديدٌ حينَ تعلمُ أنَّكَ في وطنٍ يدَّعي بأنّه دولةُ مؤسساتٍ ودولةُ قانونٍ ودولةُ حريّاتٍ ورأي  وهو غيرُ ذلكَ . 

ولعلَّ أكبرَ المصائبِ وأكثرها قهراً للنَّفسِ أن تكتشفَ أنّ المؤسسةَ الوحيدةَ التي تعملُ في وطنكَ وفقَ قانونِها الخاصِّ هي مؤسسةُ الفسادِ ، هذه المؤسسةُ أشبهُ بشركةٍ مساهمةٍ محدودةٍ محصورةٍ - بفئةٍ من الذين يشبهونَ كلَّ شيءٍ إلا البشرَ - تجيدُ الرقصَ على الماءِ وتقفزُ فوقَ القوانينِ ، وتتقنُ بامتيازٍ قواعدَ الاختلاسِ ، وقواعدَ النَّهبِ والتزويرِ واختراعِ المشاريعِ الوهميَّةِ .

ومن أعجبِ العجائبِ أن تجدَ هذه الفئةَ تتصدَّرُ وسائلَ الإعلامِ والمنابرَ ، وتُحدِّثكَ عن المهنيةِ والأمانةِ والأخلاقِ والعفَّةِ والشرفِ وسيادة القانون وهي كلُّ ثانيةٍ تخترقُ هذه السيادةَ ؛ هذه الفئة للأسفِ حالُها كحالِ فيروسِ الأيدزِ لا يُهاجم ولا يُقيمُ إلا في جهازِ المناعةِ ، وهي وحدَها القادرةُ على تدميرِ هذا الجهازِ . 

كم هو مُرعبٌ وكم هو مُفزعٌ وكم هو مُخيفٌ أن تعيشَ في وطنٍ خالٍ من جهازِ المناعةِ . فلا أعرفُ كيف سيواجهُ هذا الوطنُ عُشرَ إعصارٍ أو دقائقَ معدوداتٍ من مطرٍ عابرٍ أجواءَهُ بالصُدفةِ ، فالبنيةُ التحتيةُ بلا تحتيةٍ ، والبنيةُ الفوقيَّةُ هي الأخرى بلا تحتيةٍ باختصارٍ نحنُ لا نقفُ على أرضيَّةٍ صلبةٍ .

أوطانُنا من قشٍّ وطينٍ كأنَّها خيمةٌ بلا ستائرَ ، أعمدتُها أُقيمت وسطَ رمالٍ متحرِّكةٍ كلما اتكأتَ إلى عمودٍ تساقطَ من عليائهِ عمودٌ .

عفواً جبران خليل جبران فأعمدتنا متكسِّرةٌ كأجنحتكَ المُتكسِّرةِ ، وعفواً ميخائيل نُعيمة ؛ كيف لنا أن نحملَ الماء بالغربالِ . 

د.ع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق