قلتُ لها :
هذا الوطنُ لم يعُد يعرفُ ألوانَ علمهِ ، ولا يعرفُ اسم عاصمتهِ ، كأنّهُ مُصابٌ بفقدانِ الذاكرةِ ، أو الزهايمر ، باتت كلُّ أيّامهِ ثقيلةً كالجّبال ، وكلُّ جدرانهِ ضعيفة ، كعجوزٍ مُصابةٍ بهَشاشةٍ في العظام .
هذا الوطنُ لا يُحسن الاستماعَ إلى صرْخاتِ الجائعينَ ، ولا أنينِ المرضى ، كأنّهُ مُصابٌ بالصّمم .
هذا الوطنُ ما دخلَ معركةً يوماً وانتصرَ فيها ؛ حاولَ أن ينتصر على الأسعار فارتفعت بسرعةِ صاروخٍ عابرٍ للقارات ، حاولَ أن ينتصرَ على البِطالة ، فتعطّلت كلُّ أجهزتهِ الحكومية عن العمل ، حتّى أنَّ أجهزةِ مرضى الكُلى في المستشفيات لا تعمل .
وحاولَ أن ينتصرَ على الأُميّة ليمحوها فازدادَ جهلاً ، وبتُّ أخشى عليهِ أن يُمحى هو عن خارطة العالم ، ويُعادُ إنتاجهُ من جديد كما تُعيدُ لنا قوى الاستعمارِ إنتاجَ شرقٍ جديد .
هذا الوطن تنتظرهُ معاركُ كُبرى ، لا يعرفُ كيفَ يخوضُ غمارها ، هل استعدَّ لمعركةِ الخُبزِ أو الماءِ أو التعليمِ أو الحريّةِ أو داعشَ ، أو معركةِ الانتخاباتِ النيابيّةِ ، أو معركةِ حكومةٍ تنتمي إلى أهلها ؟
هذا الوطنُ باتَ يصغُرُ في عيونِ أهلهِ ، وباتَ كجرحٍ قد التأمَ على خُبثٍ ، فازدادَ ورماً .
لا أعرف متى يسعى هذا الوطن إلى استعادةِ ذاكرتهِ وهُويّتهِ وأبنائهِ الشرعيين ، ونجومهِ المُبعثرةِ في كلِّ مكان .
منذُ زمنٍ طويل لم أرَ ابتسامةً متفائلةً في وجوهِ أبنائهِ ، ولم أسمع تغريدةَ طيرٍ في آفاقِ صباحاته .
ومنذُ زمنٍ بعيد لم أرَ مياهاً تجري في عروقِ أرضكَ ، فكلُّ المياهِ يا وطني باتت راكدةً تنتظرُ من يرمي الحجر .
د.عاطف الدرابسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق