قلتُ لها :
سأحدثكِ يا حبيبةُ عن وطنٍ منهوبٍ ، وعن وطنٍ مقهورٍ ، وعن وطنٍ مظلومٍ ، وأحدثكِ عن فسادٍ أصابَ الفسادَ ، وعن عبادٍ لا يشبهون العبادَ ، وأحدثكِ عن بلادٍ كانت يوماً بلاداً ، وأحدثكِ عن دواءٍ لا يشفي ، وعن خبزٍ لا علاقةَ له بالقمحِ فلا يُسمنُ ولا يُشبعُ ، وأحدثكِ عن شوارعَ تحتاجُ إلى طرقٍ ، وعن مدنٍ خاويةٍ إلا من النفاقِ والشِقاقِ ، وأحدثكِ عن أطفالٍ اتخذوا السهولَ والوديانَ والشوارعَ مأوىً ، وأحدثكِ عن المياه الآسنةِ واللحومِ الفاسدةِ والخضارِ المُسرطنةِ ، وأحدثكِ عن قصورٍ بلونِ دمِ الفقراءِ وخمورٍ من عرقِ الكادحينَ والمُتسوّلينَ ، وأحدثكِ عن قُطّاعِ الطرقِ والأملِ ، وعن حمارٍ حسبَ نفسه أسداً ، وعن نمورٍ صارت أرانبَ ، وعن عصافيرَ صارت نسوراً ، وعن صقورٍ صارت فئراناً ، سأحدثكِ عن خيامٍ من ورقٍ ، وعن لاجئينَ ومشرّدين يقتسمون الطعامَ والشرابَ مع الغبارِ والذبابِ .
سأحدثكِ يا حبيبةُ عن أحلامٍ تبخرتْ ، وآمالٍ تحطّمتْ وعقولٍ تحنّطتْ وجباهٍ ذلّتْ ، سأحدثكِ عن جنونِ الحروبِ وعن المؤامراتِ التي تُحاكُ في حجراتٍ من ظلامٍ ، وأحدثكِ عن أشلاءِ أوطانٍ ، وعن عواصمَ ما عادت عواصمَ ، وعن مدنٍ صارت خرائبَ ، سأحدثكِ يا حبيبةُ عن رجالٍ ما عاهدوا الله يوماً إلا على الغدرِ ....
تعالي يا حبيبةُ لأُحدثكِ عن المقلوبةِ بلحمِ الأطفالِ ، وعن المناسفِ حين يكونُ الشرابُ من دماءِ العابرين ، وأحدّثكِ عن سلطةِ الخضارِ حين يكون الليمونِ من دموعِ الأراملِ والثكالى وعجائزِ النساءِ ، سأحدثكِ عن أغاني الحُداءِ حين يصبح الزمنُ .. كلُّ الزمنِ ... حدااااااااااااااادْ ...
يا حبيبةُ ..
ما أجملَ الصمتً في حضرةِ غباءِ العربِ ...
هامش ...
لم أعدْ أعرفُ هل نحن في عصرِ الجاهليةِ أم في عصرِ الحداثةِ ...
د.ع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق