الأحد، 18 فبراير 2018

وطنٌ جريحٌ .. دونَ حرب !


أحبّتي :

لستُ من هُواةِ الهجومِ على الوطن ، ولستُ من هُواة النقدِ لمجرّد النّقد ، غيرَ أنّي حينَ أرى وطني جريحاً دونَ حرب ، مهزوماً دونَ فتنة ، يُعاني من أزمةٍ إقتصاديةٍ خانقة دونَ سبب ، لا بدَّ أن أتكلّم ، ولا بدَّ أن أسأل : 
كيفَ وصلنا إلى هذهِ الحال التي تُثيرُ الشّفقة ؟ وكيفَ وصلنا إلى مجالِ الجّوع والخوفِ من المُستقبل ؟ لماذا يبدو لي وطني كالبلادِ التي مزّقتها الحروبُ والفتنِ الدّاخليّة ؟ ولماذا يبدو لي كمُتسوّل أو كغريقٍ يطلبُ النّجاة ؟ 

لمَ تحوّلت هذه المملكة الصغيرة الآمنة إلى مملكة الضّرائب ؟ ولماذا حكومتنا عاجزة إلّا عن رفعِ الأسعار وفرضِ الضّرائب ؟ لم أعد أعرفُ الفرقَ بين الضّرائب وارتفاعِ الأسعار ، ما الفرق أن نضع ضريبة على المحروقات 30% أو أن نرفع المحروقات 30% ، ليتني أعلم من هو هذا الفيلسوف الاقتصادي والخبير الاقتصادي الذي يُخطط لهذا البلد ؟

والله إنّنا لم نعد نثقُ بنائبٍ أو وزيرٍ أو دواءٍ أو خُبزٍ أو هواء ، وبتُّ أخشى أن يأتي يومٌ وإذا بي أدفعُ ضريبةً عن زوجتي ، وضريبةً عن ابني ، وضريبةً عن بنتي ، وضريبةً على رغيفُ الخبزِ الذي رفعوا الدّعم عنه كما يقولون ، وضريبةً لأنّي أمتلكُ قدمين ويدين ، وضريبةً على الشّخير .

هل يعلمون أنَّ بيوتنا التي شيّدناها حجراً حجراً بعرقنا ودَمنا وغُربتنا ندفعُ عليها ضريبة ، وهل يعلمون أن السيارة التي دفعنا ثمنها غُربةً وتعباً وقرضاً من هذا البنكِ او ذاك ندفعُ عليها ضريبةً ، وهل يعلمونَ أن جوازَ السّفر الأردني والذي أعتزُّ به كل الاعتزاز نستخرجهُ بخمسين ديناراً ، وأن شهادة الميلاد عليها ضريبة ، وشهادةَ الموت عليها ضريبة ، والشّوارعَ عليها ضريبة ، وملابسنا الدّاخلية والخارجيّة عليها ضريبة ، وقد تطوّر الحالُ بنا أكثر وصرنا ندفعُ ضريبةَ الضّريبة ، وفي المُستقبل القريب سندفعُ أمَّ الضرائب ، تلكَ هي ضريبةُ أنّكَ ما زلتَ على قيدِ الحياة في هذا الوطن . 

أحبّتي : 
كلّما أراقبُ الحوار الدائرِ في مجلس النوّاب ، وكلّما استمعتُ إلى وزيرٍ يتكلّم ، أو ناطقٍ باسم الحكومةِ يشدو ، أشعرُ أنّني في القرنِ الثّامن عشر ، فلا خطابهم مُقنع ، ولا ثقافتهُم مُقنعة ، وليس لديهم رؤيا أو منهج . 

سألتُ العرّافينَ والطّيورَ والجنادبَ ، وكلَّ أنواعِ الماعز والخراف ، لمَ لم يخرج الأردن من أزمتهِ الاقتصادية بالرغمِ من كثرةِ هذهِ الضّرائب الغريبةِ العجيبة ، وهو لا يتحمّلُ أيّةَ أعباءٍ ماليّة سوى الرّواتبِ وبعض المعاشات التي لا تكفي الموظّف إلّا خمسةَ أيّام ؟

إنَّ كل المؤشرات تدلُّ على أنّنا نعيشُ على أرضٍ موبوءةٍ بالفساد ، وأنّنا نعيشُ في وطنٍ يتعرّضُ للخيانةِ كلَّ دقيقة ، ويتعرّض للنهبِ والسلبِ كلَّ ثانية ، إنَّ هذا الوطن لن يرحم أيَّ إنسانٍ خانهُ أو سرقهُ أو نهبهُ أو أفسدهُ ، وسيأتي يومٌ وأحسبهُ قريباً يُحاسبُ فيهِ كلَّ فاسدٍ وكلَّ خائنٍ ، وكلَّ من تسبّبَ في حرمانِ طفلٍ من حبّةِ تُفاحٍ أو برتقالةٍ أو سندويشةٍ صالحة للاستهلاك البشري . 

عافاكَ الله أيُّها الوطن من ايِّ سقمٍ أو وجع .

د.ع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق