قلتُ لها :
لا أعرفُ لمَ يؤلمُني هذا الحذاء ، مع أنّني انتعلتهُ منذُ ثلاثينَ عاماً أو أكثر ، أشعرُ أنّهُ قيدٌ ثقيل ، بحجمِ الكرةِ الأرضيّة ، كلّما حاولتُ أن أتقدّمَ خطوةً نحوَ الأمام ، يأخذُني خطواتٍ إلى الخلف ، وكلّما نحوتُ إلى اليسار يشدُّني بعنفٍ إلى اليمين ، لا أعرف سرَّ السرِّ بينَ هذا الحذاء وثنائيّة اليمين واليسار .
هذا الحذاء يُفقدُني تركيزي ؛ مرَّةً أُحسُّهُ حيواناً أليفاً ، ومرّةً أُحسّهُ وحشاً كاسراً ، ذاتَ يومٍ تخفّى فاتّخذَ شكلَ البُسطار ، وحينَ غادرَ قدميَّ وجدتُهُ ( يرفُش ) كل شيءٍ أمامهُ ، بل أصبحَ متعالياً متغطرساْ طاغيةً ، كلُّ الأشياء صارت تحتهُ ، مرّةً رأيتُهُ يقمعُ مظاهرةً ترفعُ شعار : نعم للعُنف مع النّساء .
ومرّةً وجدتُهُ كمن أُصيبَ بإنفلونزا الذُباب ، فصارَ كحذاءٍ نسائيٍ بكعبٍ مسماريٍّ عالٍ ، مغروزٍ بعينِ الحقيقة ، ومرّةً أمسكتُ بهِ متلبّساً يُقيمُ علاقةً جنسيّةً مع حفّاية مقاسُها 38 .
وذاتَ مساءٍ خميسيٍّ دافى ، التقيتُ بهِ صُدفةً في أُمسيةٍ شعريّةٍ تحتفي بالرّبيع العربيِّ ، وتسلّقَ منبرَ الشعرِ ، ثمَّ شرعَ يُلقي قصيدةً منحولةً أحسبُها للمُتنبّي ، كانَ يقول مطلعُها ( بيني وبينك خطوة ونص ) .
عجيبٌ هذا الحذاء ، أذكر ُ أنّهُ قد تعرّض لوعكةٍ صحيّةٍ أصابت النّعل ، فطلبَ من الحذّاء العظيم .. عفواً من الجّراح العظيم أن يستبدلَهُ بنعلٍ حديديٍ مُدبّب ، وحينَ سألهُ الحذّاء عن ذلك قالَ : رحمةً بالبشر ، فهو يعتقد أنَّ الأحذية هي التي تصنعُ أفكارنا ، وتُشكّلُ عواطفنا ، وتصوغُ وعينا بالأشياء .
قالَ لي : إنَّ نهاية التّاريخ لا تكونُ بالديمقراطيّةِ ولا بالعولمةِ ولا بالحداثة ِبل بالأحذية .. العالم اليوم يدخلُ عصري .. عصرَ الأحذيةِ ، لأنَّ الطّاقة الكامنة في الأحذية هي الطّاقة الوحيدة القادرة على إدارةِ هذا العالم .
د.ع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق