قلتُ لها :
هذا العصرُ أسوأُ عصرٍ يمرُّ بهِ العربُ ؛ فهو عصرُ ملوكِ الطوائفِ والدويلاتِ ، وعصرُ شيوخِ البترولِ والغازِ ورجالِ الأعمالِ والإعمالِ ، وعصرُ أنصافِ المُثقَّفين ، وأرباعِ المُفكِّرين ، وحقارةِ بعضِ الأعلاميِّين ، وعصرُ ثرواتٍ تُهدَرُ في حروبٍ مجانيّةٍ ، وفي ثوراتٍ مُفتعلةٍ قذرةٍ يُديرها مَن يُديرها ، ويُخطِّطُ لها مَن يُخطِّطُ لها ، نحنُ أبطالُها المُزيَّفون ، ونحنُ الوقودُ والحطبُ .
هذا أسوأُ عصرٍ من عصورِ العربِ ؛ دُمِّرت مدائنُ تاريخيَّةٌ ، وسُلبت آثارٌ عاشت آلافَ السِّنينِ ؛ وهُدِّمت صوامعُ ومساجدُ وكنائسُ ، وحُرِّقت أراضٍ ، ورُمِّلت نساءٌ ، وهُجِّر أطفالٌ ، وكم هي البحورُ التي التهمت أسماكُها أجسادَ أطفالِنا ونسائِنا ، وكم هي الدُّولُ الغربيَّةُ التي تحتضنُ أعراضَنا وأرحامَنا !
هذا أسوأُ العصُّورِ ؛ الدَّمُ العربيُّ فيه مُباحٌ ، والأخُ يتآمرُ على أخيهِ مُباحٌ ، والتنسيقُ مع العدوِّ مباحٌ ، وتقسيمُ الدُّولِ مُباحٌ ، وتسليمُ أموالِ العربِ للآخرِ مباحٌ ، والفسادُ مُباحٌ ، وتجويعُ الشُّعوبِ مُباحٌ ، واغتيالُ الحريَّاتِ مُباحٌ .
هذا أسوأُ العصُّورِ ؛ فالسِّلاحُ لا يُوجَّهُ إلاَّ إلى صدرِ العربيِّ ، والأرضُ التي تحترقُ عربيَّةٌ ، والمعالمُ التي تُدكُّ بالمدافعِ عربيَّةٌ ، والنِّساءُ التي تُستباحُ أجسادُها عربيَّةٌ ، والأطفالُ المشرَّدونَ دماؤُهم أظنُّها عربيَّةً .
هذا أسوأُ العصُّورِ ؛ لأنه عصرُ القذارةِ والانحطاطِ ، وعصرُ الإعلامِ الموجَّهِ والمُخيَّطِ والمُفصَّلِ والحقيرِ ، وعصرُ المؤامرةِ على الأرضِ والعرضِ والمالِ ، غذاؤنا فاسدٌ ، دواؤنا فاسدٌ ، تعليمُنا فاسدٌ ، صناعاتُنا مُتخلِّفَةٌ ، زراعتُنا مسَّمومةٌ ، طرقُنا أُعدَّت للموتِ وحسب ، عماراتُنا آيلةٌ للسّقوطِ ، حكَّامُنا محكومون ، ورجالُ أعمالِنا جشعون ، لا تجارةَ رائجةً إلا تجارةَ الموتِ ، ولا اقتصاداً بالحياةِ إلا اقتصادَ الحروبِ .
هذا أسوأُ العصُّورِ ؛ لا كرامةَ فيه لبشرٍ ، ولا كرامةَ لشيخِ القبيلةِ ، ولا عزَّةَ فيه لامرأةٍ إلاَّ عارضاتِ الأزياءِ والراقصاتِ والمُغنِّياتِ .
هذا أسوأُ العصُّورِ ؛ لا حقَّ فيه لطفلٍ ؛ ولا حقَّ فيه لامرأةٍ ، ولا حقَّ فيهِ لحرفٍ أن يصرخَ أو لقصيدةٍ تُطالبُ بحريَّةِ الشعوبِ ، أو لروايةٍ تكشِفُ عن مخازي هذا الزَّمن الفاجرِ .
أنصحُكُم ألاَّ تبحثوا عن قبرٍ تشعرون فيهِ بالدِّفءِ بعد هذا العُري الفاضحِ ؛ فهذا العصرُ جعلَ هذهِ الأرضَ أوسعَ القبورِ .
د.ع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق