الأربعاء، 18 أكتوبر 2017

السَّماءُ .. والأملُ المُنتَظر !


قلتُ لها :

هذهِ السّماءُ كثوبٍ مهجور .. 
ضاقَ بعدَ سنين على الجسد .. 

هذهِ السّماءُ كأرضٍ جافّةٍ .. 
لم يطرق بابها مطرٌ .. 
ولا شقَّ بطنَها محراث .. 

هذهِ السّماءُ تغصُّ بالظّلام .. 
لا طيرٌ يُحلِّقُ في أُفقها .. 
ولا تمرُّ أمامَ عينيها شمسٌ .. 
ولا يمدُّ ذراعيهِ إليها فقير ..
كأنّها جُثّةٌ مُحترقةٌ مرميّةٌ على قارعةِ الفضاء .. 

ما أطولَ الطريقَ إلى المُستحيل .. 
حينَ يموتُ في أحلامنا الفجرُ .. 
وحينَ الحُريّةُ لا تكونُ وطناً .. 
هل تنتصبُ السنابلُ بلا سيقان .. 
وهل يحنُّ العودُ بلا وتر .. 
ها نحنُ نتساقطُ كما يتساقطُ الثّمر .. 
حينَ يجفُّ الماءُ في أغصانِ الشّجر .. 

هذهِ السّماءُ كنساءِ الليل تملؤها شهوةٌ آثمةٌ .. 
يقودُها شيطانٌ ثملٌ بخمرٍ فاسدٍ  ..
وتتجوّلُ في مُخيّلتها أفكارٌ ذابلة .. 
تتنّفسُ في وجوهنا كنبتةٍ سامةٍ .. 
أو كجرحٍ عَفِن .. 

هذهِ السّماءُ صامتةٌ كخيلٍ محكومٍ بالإعدام .. 
كمتسوّلٍ بلا أطراف .. 
كظلٍّ يسخرُ من قدميه .. 
كوقتٍ لا يشعرُ بالوقتِ .. 
كموتٍ لا يشعرُ بالموتِ .. 

هذهِ السّماءُ تلفظُ الأملَ الأخير ..
بعدَ أن تعطّلَ الغناء ..
في جوفِ آخرِ طيرٍ حلّقَ فوقَ أرضِ العرب .. 

د.ع

الأحد، 1 أكتوبر 2017

رحمُ السَّواد !


قلتُ لها :

ليتَ يدي تستطيعُ أن تقطفَ تلك النَّجمةَ 
لتجعلها شامةً 
بينَ عينيكِ 
تَعبَقُ بالضُّوءِ 
ليستيقظَ قُبيلَ العيدِ 
في قلبِ الليالي المعتمةِ
النُّور ..

ليتَ يدي تستطيعُ أن تُمسِكَ بحبالِ المطر
فتُحيلُهُ عقداً 
على صدركِ
أو سِواراً 
في يديكِ
فترتوي الكواكبُ 
وتحيا الأوقاتُ المَيِّتةُ 
في هذه الأرضِ 
الخراب ...

أيها العيدُ ..
بأيِّ ثوبٍ ستأتي ؟
وبأيِّ لونٍ ستأتي ؟
أخشى أن لا يعرفكَ الأطفالُ وهم
يخرجونَ من رَحمِ هذا السَّواد ...

د.ع

قبرٌ للزمن !


قلتُ لها : 

لم تعُد أصابعُ يدي قادرةً على أن تمسكَ القلمَ .. 
لترسُمَ على خدِّ الفجر ..
ابتسامةَ طفلٍ في أوَّلِ أيّامِ العيد .. 

لم تعُد قدمي قادرةً على أن تسرقَ خطوةً 
أو خطوتين 
لأرقُصَ معكِ 
على إيقاعِ الحربِ والموت 
رقصةَ العيدِ  ..

لم تعُد عيني تستطيعُ أن ترى ما يحجبهُ الظّلام ..
 في منتصفِ النّهار .. 

لم يعُد قلبي يرتجفُ حينَ يسمعُ صوتكِ ..
كأنهُ حجر .. 
كلُّ شيءٍ يتأرجحُ في داخلي .. 
كأنّهُ الألم .. 
أليسَ لهذا الحُزنِ حدٌّ ..

أُحاربُ سنينَ العُمر .. 
لأعبرَ إليكِ .. 
أتوسلُ إلى الله أن أفقدَ ذاكرتي .. 
وضجيجَ كلماتي ..  
وأحفرَ قبراً للزّمنِ الطّاعنِ في السّنِ .. 
وأفرشَ هذهِ الأرضَ بالأحلام .. 
لزمنٍ جديد كأنّهُ العيد ..
قبلَ أن تموتَ بينَ عيونِ الأطفالِ ابتسامةُ العيد .. 

د.ع

إنَّهم يقيمونَ في جهازِ المناعة ..




قلتُ لها :

ما أقسى أن يشعرَ الإنسانُ بالخجلِ لا من وطنهِ الكبيرِ بل من القائمينَ على إدارةِ شؤونهِ ، ومقدَّراتهِ ، ويتصرّفونَ في أسبابِ عيشِ المواطنين ، ولعلَّني لا أُبالغُ إذا ما شعرتُ بالخجلِ والحرجِ من سلوكهم ، وسوءِ أفعالهم التي لا تُقنعُ طفلاً أو مراهقاً أو امرأةً أو عجوزاً ، كم هو محزنٌ أن تشعرَ في وطنكَ بأنَّكَ مسلوبُ الإرادةِ لا قدرةَ لكَ على اتخاذِ قرارٍ أو صناعةِ قرارٍ أو الإسهامِ في صناعةِ القرارِ ، وكم هو الحزنُ شديدٌ حينَ تعلمُ أنَّكَ في وطنٍ يدَّعي بأنّه دولةُ مؤسساتٍ ودولةُ قانونٍ ودولةُ حريّاتٍ ورأي  وهو غيرُ ذلكَ . 

ولعلَّ أكبرَ المصائبِ وأكثرها قهراً للنَّفسِ أن تكتشفَ أنّ المؤسسةَ الوحيدةَ التي تعملُ في وطنكَ وفقَ قانونِها الخاصِّ هي مؤسسةُ الفسادِ ، هذه المؤسسةُ أشبهُ بشركةٍ مساهمةٍ محدودةٍ محصورةٍ - بفئةٍ من الذين يشبهونَ كلَّ شيءٍ إلا البشرَ - تجيدُ الرقصَ على الماءِ وتقفزُ فوقَ القوانينِ ، وتتقنُ بامتيازٍ قواعدَ الاختلاسِ ، وقواعدَ النَّهبِ والتزويرِ واختراعِ المشاريعِ الوهميَّةِ .

ومن أعجبِ العجائبِ أن تجدَ هذه الفئةَ تتصدَّرُ وسائلَ الإعلامِ والمنابرَ ، وتُحدِّثكَ عن المهنيةِ والأمانةِ والأخلاقِ والعفَّةِ والشرفِ وسيادة القانون وهي كلُّ ثانيةٍ تخترقُ هذه السيادةَ ؛ هذه الفئة للأسفِ حالُها كحالِ فيروسِ الأيدزِ لا يُهاجم ولا يُقيمُ إلا في جهازِ المناعةِ ، وهي وحدَها القادرةُ على تدميرِ هذا الجهازِ . 

كم هو مُرعبٌ وكم هو مُفزعٌ وكم هو مُخيفٌ أن تعيشَ في وطنٍ خالٍ من جهازِ المناعةِ . فلا أعرفُ كيف سيواجهُ هذا الوطنُ عُشرَ إعصارٍ أو دقائقَ معدوداتٍ من مطرٍ عابرٍ أجواءَهُ بالصُدفةِ ، فالبنيةُ التحتيةُ بلا تحتيةٍ ، والبنيةُ الفوقيَّةُ هي الأخرى بلا تحتيةٍ باختصارٍ نحنُ لا نقفُ على أرضيَّةٍ صلبةٍ .

أوطانُنا من قشٍّ وطينٍ كأنَّها خيمةٌ بلا ستائرَ ، أعمدتُها أُقيمت وسطَ رمالٍ متحرِّكةٍ كلما اتكأتَ إلى عمودٍ تساقطَ من عليائهِ عمودٌ .

عفواً جبران خليل جبران فأعمدتنا متكسِّرةٌ كأجنحتكَ المُتكسِّرةِ ، وعفواً ميخائيل نُعيمة ؛ كيف لنا أن نحملَ الماء بالغربالِ . 

د.ع

اختنقَ الصوتُ .. وماتَ النَّغم !


قلتُ لها : 

اختنقَ يا حبيبةُ الصوتُ 
بالنَّاي ..
وماتَ النَّغم
على حدِّ الوتر ..
وتاهَ 
في سماءِ القلم
نجميَ والقمر ..
فتُهتُ 
كما تاهَ أوَّلُ العُشَّاق ..
وبكيتُ
حتى آخرِ دمعة ..
ونزفتُ
حتى آخرِ نقطةِ دم ..
واعتزلتُ ذاتي 
وحبستُ نفسي
بينَ عينيكِ
حتى صارَ جسدكِ 
يا حبيبةُ منفاي ...

د.ع

وطنٌ .. بلا وطنٍ !


قلتُ لها :

سأحدثكِ يا حبيبةُ عن وطنٍ منهوبٍ ، وعن وطنٍ مقهورٍ ، وعن وطنٍ مظلومٍ ، وأحدثكِ عن فسادٍ أصابَ الفسادَ ، وعن عبادٍ لا يشبهون العبادَ ، وأحدثكِ عن بلادٍ كانت يوماً بلاداً ، وأحدثكِ عن دواءٍ لا يشفي ، وعن خبزٍ لا علاقةَ له بالقمحِ فلا يُسمنُ ولا يُشبعُ ، وأحدثكِ عن شوارعَ تحتاجُ إلى طرقٍ ، وعن مدنٍ خاويةٍ إلا من النفاقِ والشِقاقِ ، وأحدثكِ عن أطفالٍ اتخذوا السهولَ والوديانَ والشوارعَ مأوىً ، وأحدثكِ عن المياه الآسنةِ واللحومِ الفاسدةِ والخضارِ المُسرطنةِ ، وأحدثكِ عن قصورٍ بلونِ دمِ الفقراءِ وخمورٍ من عرقِ الكادحينَ والمُتسوّلينَ ، وأحدثكِ عن قُطّاعِ الطرقِ والأملِ ، وعن حمارٍ حسبَ نفسه أسداً ، وعن نمورٍ صارت أرانبَ ، وعن عصافيرَ صارت نسوراً ، وعن صقورٍ صارت فئراناً ، سأحدثكِ عن خيامٍ من ورقٍ ، وعن لاجئينَ ومشرّدين يقتسمون الطعامَ والشرابَ مع الغبارِ والذبابِ .

 سأحدثكِ يا حبيبةُ عن أحلامٍ تبخرتْ ، وآمالٍ تحطّمتْ وعقولٍ تحنّطتْ وجباهٍ ذلّتْ ، سأحدثكِ عن جنونِ الحروبِ وعن المؤامراتِ التي تُحاكُ في حجراتٍ من ظلامٍ ، وأحدثكِ عن أشلاءِ أوطانٍ ، وعن عواصمَ ما عادت عواصمَ ، وعن مدنٍ صارت خرائبَ ، سأحدثكِ يا حبيبةُ عن رجالٍ ما عاهدوا الله يوماً إلا على الغدرِ ....

تعالي يا حبيبةُ لأُحدثكِ عن المقلوبةِ بلحمِ الأطفالِ ، وعن المناسفِ حين يكونُ الشرابُ من دماءِ العابرين ، وأحدّثكِ عن سلطةِ الخضارِ حين يكون الليمونِ من دموعِ الأراملِ والثكالى وعجائزِ النساءِ ، سأحدثكِ عن أغاني الحُداءِ حين يصبح الزمنُ .. كلُّ الزمنِ ... حدااااااااااااااادْ ...

يا حبيبةُ ..
ما أجملَ الصمتً في حضرةِ غباءِ العربِ ...

هامش ... 
لم أعدْ أعرفُ هل نحن في عصرِ الجاهليةِ أم في عصرِ الحداثةِ ...

د.ع

الفسادُ .. مشروعٌ نهضويّ


قال لها :

منذُ أن عرفتُكِ زادت ثقافتي ، وفاضت معرفتي على العالمين ، فَمُلِئت وديانٌ ، وغُمِرت جبالٌ ، وتداخلت بِحارٌ مع بِحارٍ ، فتَغيَّرَ وجهُ الأرضِ ، وتغيَّرت طبقاتُها ، وتغيَّرَ نوعُ البَشرِ ، ونوعُ الحجرِ ، وأشكالُ الطبقاتِ ، فصارَ لونُ الرَّبيعِ أسودَ كثوبِ امرأةٍ أسقَمَها رحيلُ الأحبَّةِ ، وصارَ لونُ البحارِ أصفرَ كوجهِ فقيرٍ مريضٍ وتنكَّسَت رؤوسُ الجبالِ كعزيزِ قومٍ ذلَّ .

منذُ أن عرفتُكِ تغيَّرت في لغتي الصُّورُ والتشبيهاتُ ؛ فعلمتُ أنَّ الرِّجالَ ألوانُ ، وأنَّ النِّساءَ أزهارٌ كأقراصِ الفلافلِ في أوائلِ كانونَ ، وعرفتُ أنَّ الجنونَ في حضرةِ النِّساءِ تَعَقُّلٌ ، وأنَّ الصراخَ غناءٌ ، وأدركتُ أنَّ الاختلافَ لا يُفسدُ الودَّ فحسب إنِّما يُفسدُ الملوكَ ويَفتِنُ الوزراءَ .

منذُ أن عرفتُكِ علمتُ أنَّ الأوطانَ تُباعُ في أسواقِ الخُضارِ ، وأنَّ الرِّجالَ الرِّجالَ كالنِّفطِ كلَّ يومٍ بسعرٍ ، وأنَّ القِيمَ تُتَداولُ كما يُتداولُ الذَّهبُ بينَ معاصمِ الغانياتِ ، وتعلمتُ أنَّ الفسادَ مشروعٌ نهضويٌّ لا تنهضُ البلادُ إلا بهِ ، وتيَّقنتُ أنَّ العدالةَ كالمطرِ في شهرِ شباط ، وأنٌَ الحريَّةَ حالةُ ترفٍ معرفيٍّ ،  وتأكدتُ أنَّ القوانينَ تُشرَّعُ لخدمةِ الفردِ لا لخدمةِ المجموعِ ، واستشرفتُ أنَّ الجوعَ انتماءٌ ، والدموعَ رقصٌ وغناءٌ ، وأنَّ الكدماتِ على وجوهِ النِّساءِ المُعنَّفَاتِ حِنَّاءٌ ، وثبتَ لديَّ أنَّ تشرُّدَ الأطفالِ والتسوُّلَ ما هو إلا استعدادٌ رياضيٌّ ومعسكرٌ تدريبيٌّ للحصولِ على ميداليَّةٍ ذهبيَّةٍ في بطولةِ عالميَّةٍ كالأولمبيادِ مثلاً .

منذُ أن عرفتُكِ انقلبت المفاهيمُ رأساً على صخرةٍ ؛ فالنَّخوةُ تهوُّرٌ ، والشَّهامةُ اندفاعٌ ،  والكرامةُ تسرُّعٌ ، والانتماءُ نفاقٌ ، والوطنيَّةُ منسفٌ ، والعدالةُ شوربةُ عدسٍ في يومِ صقيعيٍّ باردٍ .

منذُ أن عرفتُكِ آمنتُ أنَّ المرأةَ التي ما عرفت يوماً أن تَهزَّ السَّريرَ بيدٍ هي اليومَ تَهزُّ عروشَ الرِّجالِ بغَمزةِ عينٍ ، وفتحةِ صدرٍ وخصرٍ .

هكذا أنا تغيَّرت هُويَّتي وقناعاتي التي حسبتُها حين كنتُ على مقعدِ الدَّرسِ راسخةً رسوخَ الجبالِ فإذا بها اليومَ راسخةرسوخ الخِيامِ حين يُواجِهها إعصارٌ كإعصارِ إيرما .

د.ع

ثورةُ الجِراح



قلتُ لها :
اختنقَ يا حبيبةُ الصوتُ
بالنَّاي ..
وماتَ النَّغم
على حدِّ الوتر ..
وتاهَ
في سماءِ القلم
نجميَ والقمر ..
فتُهتُ
كما تاهَ أوَّلُ العُشَّاق ..
وبكيتُ
حتى آخرِ دمعة ..
ونزفتُ
حتى آخرِ نقطةِ دم ..
واعتزلتُ ذاتي
وحبستُ نفسي
بينَ عينيكِ
حتى صارَ جسدكِ
يا حبيبةُ منفاي ...
د.ع