الأحد، 17 مارس 2019

العمرُ المجنون !


قالت له :

ماذا أحضرتَ لي ؟

فقلتُ لها :

أحضرتُ لكِ عمريَ المجنونَ 
في زجاجةِ عطرٍ عتيقةٍ
وأحضرتُ لكِ عصفورينِ
يحملانِ على جناحيهما 
تعبي وتعبَ الطريقِ !

أحضرتُ لكِ حلماً 
يطوي المسافاتِ
وثورةً تهدُّ جدارَ الخوفِ
في مدنِ الشرقِ !

لا تحسبي أحلامي بخيلةً
أو مُقطَّعةَ الحروفِ
كلُّ حرفٍ يا حبيبةُ كانَ رفيقْ
يحملُ همِّي 
وهمَّكِ 
وهمَّ الطَّريقْ !

يطوفُ ظلُّكِ حولي 
كما يطوفُ الحجيجْ
ألقي رأسيَ الثَّقيلُ على ظلِّكِ
فيرتبكُ الألمُ في داخلي 
ويعلو النَّشيجْ !

أينَ عبيركِ 
الذي يعانقُ زهرَ أحلامي ؟
أينَ صمتكِ 
الذي كان يُصلِّي في محرابِ أحزاني ؟
أينَ كأسكِ 
الذي كان يشربُ الحبَّ من أغصاني ؟
أينَ أنفاسكِ 
التي كانت تُدخِلُ الدفءَ على ليلي 
وأين الأماني ؟

أعلمُ أنَّنا يوماً سنفترقُ
وسنرحلُ كما ترحلُ المياهُ 
بينَ ضفافِ الأنهار
أعرفُ أنَّنا سنذبلُ 
كما تذبلُ فوقَ الأغصانِ 
الأزهار 
أعلمُ أنَّ المسافاتِ التي أقامها الزمن 
بيننا جدران
وأعلمُ أنَّني كالغريبِ 
يفتِّشُ عن أحلامٍ 
في ازدحامِ المعاني 
وأعرفُ أنَّني حين أرحلُ عنكِ 
ستذروني رياحُ الحزنِ 
كأنِّي أوراقُ الخريفِ
أو كذاكَ المجهولِ 
الذي يُقيمُ على أرصفةِ الفقراءِ 
بلا عنوانِ !

يا حبيبةُ ..
لا تعصري اللَّيلَ
فليليَ المجروحُ 
لا صبحَ فيه ولا فجر !

يا حبيبةُ ..
لا تسألي جسدي المُسجَّى 
عن الجراحِ 
ولا تستجدي من العابرينَ 
الدُّعاء
ولا تبحثي لي 
بين أحضانِ الأرضِ عن قبرٍ
فالأرضُ إذ ضاقت عليَّ
فقبري في عينيكِ
أو في أحضانِ المساء !

د.ع

المُنتظر !



(1)

هذا الصَّخرُ
كيف يُسافرُ فيه الماءُ
ليُعيدَني حيَّاً ؟


                                                                     (2)



بعدَ غيبةٍ 

أسألُ عنِّي 
كأنِّي لستُ منكِ
أو كأنَّكِ لستِ منِّي !


                                                                    (3)



بُعثتُ فيكُم

وما أنا منكُم
لأُعلِّمَكم 
كيفَ تُباعُ الأوطان 
وكيفَ تبكي السُّهولُ 
وكيف تموتُ عطشاً
الشُّطآن !
ثمَّ أُعلَّمكُم 
 ثقافةَ النِّسيان !


                                                                   (4)



بُعثتُ إليكُم

لأُحييَ الموتى
وما أنتُم بموتى !


                                                                   (5)



بُعثتُ فيكُم

لأُوحيَ لكم بالسِّرِّ
وكيف خرجَ الضَّميرُ 
من الضَّميرِ
كما تخرجُ الرُّوحُ من الجسدِ
لتَحِلَّ في الحجر !
فيصرخُ من شدَّةِ الظُّلمِ 
الحجرْ !
كم تمنيَّتُ أن آتيَ إلى هذه الحياةِ
على هيئةِ حجرْ !
وهل يخلدُ في هذا الزَّمنِ الفاسدِ
إلا الحجرْ ؟


                                                                 (6)



أُحاولُ أن أمضي 

باتجاهِ دولةِ البرقِ والرَّعدِ
أتبَعُ خُطى المطر
وأنظرُ كيف يتغيَّرُ 
وجهُ الأرضِ
وكيف تحبلُ بالأسرار !
وأتأمَّلُ كيف يموتُ
على حواشي الرِّمالِ
الموجُ !
ويصمتُ عن البوحِ
آخرُ بحر !


                                                               (7)



أُحاولُ أن أشُقَّ الطُّرق

كي يعبرَ الهواءُ النَّقيُّ 
إلى رئاتِ العصافيرِ
ورئاتِ الحَمَام !
أُحاولُ أن أُشعِلَ النِّيرانَ
في المياهِ المالحةِ
لأحفرَ الأنفاقَ
في صدرِ الظَّلامِ !
وأكتبُ على وجهِ القمرِ
آخرَ الوصايا :
لا تضعوا العسلَ في السُّمِّ
فيفسدَ السُّمُّ 
في خلايا الدَّمِ 
ويحلو المَرارُ في الفمِ 
فأعودُ إلى الجاهليَّةِ الأولى
أتبعُ شيخاً وقبيلةً
وأُصلِّي خاشعاً 
للصَّنمِ !


د.ع